للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والسكينة حتى تنبت فيه شجرة الأسرة قوية الجذور، باسقة الفروع، وتنمو وتزدهر وتثمر أينع الثمر، وتنشر في الناس ظلا ظليلا ورائحة زكية.

ولقد رتب الشارع على عقد الزواج حقوقا وواجبات تثبت لكل من الزوجين على الآخر، وطالبهما بحسن العشرة، والاعتدال في المعاملة، والتعاون على الحياة المشتركة بينهما، ورسم الطريق القويم لعلاج ما قد ينشأ بينهما من خلاف ومشكلات، وشرع الطلاق للخلاص حين تستعصي على الزوجين إقامة حدود الله والوقوف على ما رسمه الشارع؛ للسير في علاقة الزوجية، ولقد أباحت الشريعة الطلاق عندما تسوء العشرة بين الزوجين، ويتحكم الشر في نفوسهما، حيث تذهب الثمرات المطلوبة من الزواج من السكن والمودة والرحمة، التي كان يجب توفرها بين الزوجين، وحينئذ فللزوج معالجة ما حصل بينهما من الشقاق والنزاع بإيقاع طلقة واحدة، وهو في حال من الرضى والهدوء، والمرأة في طهر لم يجامعها فيه، وفي هذه الحالة يثبت له الحق في الرجعة قبل مضي العدة، بدون عقد، فإذا ما عاد سوء العشرة بينهما وحل الخصام محل الوئام أبيح له أيضا أن يطلق طلقة واحدة أخرى، وله أن يراجع زوجته ما دامت في عدتها، فإن استقامت حالهما وصلح أمرهما وحسنت العشرة كان بها، وإن ساءت العلاقة ولم ينفع العلاج بالطلقتين الماضيتين أبيح له أن يطلق الطلقة الثالثة، وفي هذه المرة تنفض عرى الزوجية تماما، وتبين البينونة الكبرى، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، زواجا شرعيا نكاح رغبة، يقصد منه إقامة الزوجية وبناء الأسرة والعشرة الدائمة، بدون شرط أو قصد التحليل، فإذا صادف ولم يحالف زواجها الثاني التوفيق وحسن العشرة بل ساءت العلاقة بينهما، وطلقها زوجها الثاني، أو توفي عنها حلت لزوجها الأول بعد فراغ عدتها من الثاني، والأصل في ذلك قول الله تبارك وتعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (١). وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري


(١) سورة البقرة الآية ٢٣٠