للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراد منه، ولسنا ندري المحلل المراد بالنص، أهو الذي نوى التحليل، أم هو الذي شرط عليه ذلك قبل العقد، أم هو الذي شرط ذلك عليه في العقد، أهو الذي أحل ما حرمه الله تعالى ورسوله؟ ووجدنا من تزوج مطلقة ثلاثا، فإنه محلل ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه؛ فإن الحل حصل بوطئه وعقده، ومعلوم قطعا أنه لم يدخل في النص، فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده، وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنة، وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم، ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهذا محسن، {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} (١) فضلا عن أن تلحقه لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونوقش هذا الدليل بما يلي:

أن هذا قول جانبه الصواب؛ لأن الله تعالى شرط في عودها للأول أن تنكح زوجا غيره نكاحا بالمعنى الذي فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي ينشأ عنه ذوق العسيلة، والذي إذا طلق فيه الزوج الثاني وانقضت العدة منه وعقد عليها الزوج الأول حلت له، فليس الشرط مجرد ذوق العسيلة كما تقولون، وقولهم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «لعن المحلل والمحلل له (٢)»، ولم يرد به كل محلل. . . . إلى آخر ما قالوه، فهذا كلام يقصد به المغالطة، فالصحابة والتابعون - رضي الله عنهم - جميعا كانوا يفهمون من المحلل عند الإطلاق، هو الذي يتزوج المرأة ليحللها لزوجها الذي طلقها ثلاثا دون أن يكون راغبا في بقائها، وأن المحلل له هو الزوج الذي طلق ويرغب في عود من طلقها إليه، فهذا التشكيك غير مقبول، ومثل هذا لا يقال: إنه محسن، وما على المحسنين من سبيل، بل يقال: إنه أساء؛ لأنه سلك طريقا لم يأذن له الشارع فيه، ومن هذا شأنه فهو مسيء، والمسيء يستحق الذم جزاء على إساءته وعقابا على عمله، ولذلك لعنه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجعله مطرودا من رحمة الله تعالى.


(١) سورة التوبة الآية ٩١
(٢) مسند أحمد بن حنبل (١/ ٤٤٨).