للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إثبات كل حكم شرعي ونفيه؛ لأن منطوقه مقدمة كلية في كل دليل ناف لحكم، مثل أن يقال في الوضوء بماء نجس: هذا ليس من أمر الشرع، وكل ما كان كذلك فهو مردود، فهذا العمل مردود. فالمقدمة الثانية بهذا الحديث، وإنما يقع النزاع في الأول، ومفهومه أن من عمل عملا عليه أمر الشرع فهو صحيح، مثل أن يقال في الوضوء بالنية: هذا عليه أمر الشرع، وكل ما كان عليه أمر الشرع فهو صحيح، فالمقدمة الثانية ثابتة بهذا الحديث والأولى فيها النزاع، فلو اتفق أن يوجد حديث يكون مقدمة أولى في إثبات كل حكم شرعي ونفيه لاستقل الحديثان بجميع أدلة الشرع، لكن هذا الثاني لا يوجد، فإذا حديث الباب نصف أدلة الشرع. والله أعلم.

وقوله: (رد) معناه مردود من إطلاق المصدر على اسم المفعول مثل: خلق ومخلوق، ونسخ ومنسوخ، وكأنه قال: فهو باطل غير معتد به. واللفظ الثاني وهو قوله: (من عمل)، أعم من اللفظ الأول، وهو قوله: (من أحدث)، فيحتج به في إبطال جميع العقود المنهية وعدم وجود ثمراتها المرتبة عليها.

وفيه رد المحدثات، وأن النهي يقتضي الفساد؛ لأن المنهيات كلها ليست من أمر الدين فيجب ردها.

ويستفاد منه أن حكم الحاكم لا يغير ما في باطن الأمر؛ لقوله: (ليس عليه أمرنا)، والمراد به أمر الدين.

وفيه أن الصلح الفاسد منتقض والمأخوذ عليه مستحق الرد. اهـ (١).

وذكر الشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قاعدة عامة في العقود والشروط منها، فقال: (٢).

القاعدة الثالثة في العقود والشروط فيها، فيما يحل منها ويحرم، وما يصح منها ويفسد: ومسائل هذه القاعدة كثيرة جدا.

والذي يمكن ضبطه فيها قولان، أحدهما: أن يقال: الأصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك، الحظر إلا ما ورد الشرع بإجازته. فهذا قول أهل الظاهر، وكثير من أصول أبي حنيفة تنبني على هذا، وكثير من أصول الشافعي، وطائفة من أصول أصحاب مالك وأحمد، فإن أحمد قد يعلل أحيانا بطلان العقد بكونه لم يرد فيه أثر ولا قياس، كما قاله في إحدى الروايتين في وقف الإنسان على نفسه. وكذلك طائفة من أصحابه قد يعللون فساد الشروط بأنها تخالف مقتضى العقد، ويقولون: ما خالف مقتضى العقد فهو باطل.

أما أهل الظاهر فلم يصححوا لا عقدا ولا شرطا إلا ما ثبت جوازه بنص أو إجماع. وإذا لم يثبت جوازه أبطلوه واستصحبوا الحكم الذي قبله، وطردوا ذلك طردا جاريا. لكن خرجوا في كثير منه إلى أقوال ينكرها عليهم غيرهم.

وأما أبو حنيفة فأصوله تقتضي أنه يصحح في العقود شروطا يخالف مقتضاها في المطلق. وإنما يصحح الشرط في المعقود عليه إذا كان العقد مما يمكن فسخه. ولهذا أبطل أن يشترط في البيع خيار، ولا يجوز عنده تأخير تسليم البيع بحال. ولهذا منع بيع العين المؤجرة. وإذا ابتاع شجرة عليها ثمر للبائع فله مطالبته بإزالته. وإنما جوز الإجارة المؤخرة؛ لأن الإجارة لا توجب الملك إلا عند وجود المنفعة، أو عتق العبد المبيع أو الانتفاع


(١) صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري جـ ٥ ص ٣٣١.
(٢) القواعد النورانية ص ١٨٤ ـ ٢٢٠.