للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إني عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون لهم الولاء فأخبرت عائشة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " ففعلت عائشة، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق (١)» وفي رواية للبخاري: «اشتريها فأعتقيها وليشترطوا ما شاءوا فاشترتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم ـ: الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط - وفي لفظ: شرط الله أحق وأوثق (٢)» وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر، أن عائشة أم المؤمنين أرادت أن تشتري جارية لتعتقها فقال أهلها: نبيعكها على أن ولاءها لنا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا يمنعنك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق (٣)» وفي مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أرادت عائشة أن تشتري جارية فتعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون لهم الولاء فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا يمنعنك ذلك فإنما الولاء لمن أعتق (٤)».

ولهم من هذا الحديث حجتان:

إحداهما: قوله: «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل (٥)» فكل شرط ليس في القرآن ولا في الحديث، ولا في الإجماع، فليس في كتاب الله، بخلاف ما كان في السنة، أو في الإجماع، فإنه في كتاب الله بواسطة دلالته على اتباع السنة والإجماع.

ومن قال بالقياس - وهم الجمهور - قالوا: إذا دل على صحته القياس المدلول عليه بالسنة، أو بالإجماع المدلول عليه بكتاب الله: فهو في كتاب الله.

الحجة الثانية: أنهم يقيسون جميع الشروط التي تنافي موجب العقد على اشترط الولاء؛ لأن العلة فيه كونه مخالفا لمقتضى العقد، وذلك لأن العقود توجب مقتضياتها بالشرع، فيعتبر تغييرها تغييرا لما أوجبه الشرع، بمنزلة تغيير العبادات. وهذا نكتة القاعدة، وهي أن العقود مشروعة على وجه، فاشتراط ما يخالف مقتضاها تغيير للمشروع. ولهذا كان أبو حنيفة ومالك والشافعي - في أحد القولين - لا يجوزون أن يشترط في العبادات شرطا يخالف مقتضاها. فلا يجوزون للمحرم أن يشترط الإحلال بالعذر، ومتابعة لعبد الله بن عمر، حيث كان ينكر الاشتراط في الحج. ويقول: " أليس حسبكم سنة نبيكم؟ " وقد استدلوا على هذا الأصل بقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (٦) سورة المائدة آية: ٣. وقوله: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (٧) البقرة: ٢٢٩.


(١) صحيح البخاري البيوع (٢١٦٨)، صحيح مسلم العتق (١٥٠٤)، سنن أبو داود العتق (٣٩٢٩)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥١٩).
(٢) صحيح البخاري كتاب الشروط (٢٧٢٦)، سنن أبو داود العتق (٣٩٢٩)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥١٩).
(٣) صحيح البخاري كتاب البيوع (٢١٦٩)، سنن النسائي البيوع (٤٦٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٠)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥٢٠).
(٤) صحيح البخاري كتاب البيوع (٢١٦٩)، سنن النسائي البيوع (٤٦٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ١٠٠)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥٢٠).
(٥) صحيح البخاري البيوع (٢١٦٨)، صحيح مسلم العتق (١٥٠٤)، موطأ مالك العتق والولاء (١٥١٩).
(٦) سورة المائدة الآية ٣
(٧) سورة البقرة الآية ٢٢٩