للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخطر الحقيقي يكمن فيما دس من أفكار عن طريق الترجمة، استهدفت نشر عقائد الفرس والمجوس وتقديم ما يطعن في الإسلام.

وقد وضح هذا في كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه عبد الله بن المقفع (١٣٩ هـ)؛ ليكون لهوا في الظاهر، وتسلية للخواص والعوام باعتباره متحدثا عن الأخلاق والآداب على ألسنة الحيوانات والطير، ويكون تثقيفا في حقيقته للخاصة أكثر، حيث أضيف إليه في العربية باب يسمى "باب برزويه " ليس منه في الأصل الهندي، بل هو زائد عليه، وكان مكتوبا بالفارسية، وهذا الباب به إثارة للبلبلة والاضطراب حيث يشكك في إمكان الوصول إلى الحق الذي يقنع العقل ويزيل الحيرة (١).

وفي نهاية المطاف يقول برزويه: " فحينئذ - بعد استعراضه لكثير من الآمال التي تصبح سرابا - صار أمري إلى الرضا بحالي وإصلاح ما استطعت إصلاحه من عملي، لعلي أصادف في باقي أيامي زمانا أصيب فيه دليلا على هذه الحال " (٢).

وإذا كان ما سبق يشكك في أحقية الإسلام بالخاتمية لوفائه بحاجات الناس وتقديم الأمن لهم، فإن اسم المقفع نفسه قد نسب إليه أنه ألف معارضات للقرآن، أراد بها أن يطعن في إعجاز القرآن والتحدي الذي وجهه الله إلى الإنس والجن، حيث أخبر الله - سبحانه - أن الإنس والجن يعجزون عن الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (٣).

فإذا عرف العرب هذا عن طريق الترجمة، فإن كثيرا من الذين لا يملكون القدرة على التحليل والتعقل، كانوا هدفا لسهام الزنادقة الذين وجدوا في هذه الأفكار وغيرها من فلسفات اليونان حبائل للشر، يتصيدون بها من عبدوا الله على حرف ومن على شاكلتهم من الضعفاء والمترددين.


(١) مدكور / علم الكلام / ٩.
(٢) ابن المقفع / كليلة ودمنة / ٤٦. طبعة دار العودة / بيروت د. ت.
(٣) د. يحيى فرغل / عوامل وأهداف نشأة علم الكلام: ١٨٥، ١٨٦. طبعة مجمع البحوث الإسلامية.