للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١٢ - القول في الإمامة (١).

ب - أن الفرق بمغالاتها في تأصيل الاختلاف بين بعضهم البعض قد أخرجت هذا العلم من مكانته التي كانت له حين كان نتاجا طبيعيا لظروف اقتضته خدمة للعقيدة الإسلامية، بل وجرت عليه خصومات الفقهاء والمحدثين والصوفية الأوائل وعامة السلف الصالح، وحق للناقدين لهذا العلم أن يتهموه بالخروج عن مهمته حيث تحول الجهد الذي كان مبذولا للرد على المخالفين إلى مناظرات بين الفرق حول إثبات أفضلية أصول كل على الآخرين.

وحيث أصبح هم كل فرقة أن تنتصر لرأيها وإثبات بطلان رأي غيرها، الأمر الذي أفقد نتائج مناظراتهم العمق واليقين القلبي. وإلى جانب ذلك فقد دفعتهم المغالاة - كما سبق أن أشرنا - إلى التناقض وإلى مصادمة نصوص صريحة تقضي بخلاف ما يقولون به (٢).

وإذا كان علماء الكلام قد دافعوا عن ما وجه إليهم من مآخذ، بل وشاركهم في هذا الدفاع بعض الفلاسفة الذين اعتبروا دور علماء الكلام كدور الجنود في حماية الدين والوطن. أقول: إذا كان هذا قد حدث فإن دفاع علماء الكلام عن أنفسهم لم يكن مقنعا بدرجة كافية، وأن هؤلاء لا يستطيعون أن ينكروا ما وقع فيه بعض علماء الكلام من انقسام ترتبت عليه آثار ضارة كالتعصب والتقليد (تقليد كل فرقة لأشياخها في كل ما يقولون به في الغالب) والتكفير، والجدل الكريه، وما أدى إليه من عدم كفاية هذا العلم سبيلا إلى الإيمان واليقين، وهذه كلها أمور لا يجد علماء الكلام ردا مقنعا أو إجابة يسهل قبولها " (٣).

ب - أننا ونحن نهتم بقضية التوحيد وسط تيارات الإلحاد المعاصرة يمكننا أن نفيد من الخير الذي بدأ به هذا العلم متجاوزين أخطاءه حذرين منها؛ لأن حاجتنا الآن في تقديم العقيدة الإسلامية بلغة واضحة وأدلة مقنعة،


(١) مفاتيح العلوم ١٨٥١ طبعة ليدن، بدائرة المعارف الإسلامية / ٥/ ٥٣٠.
(٢) الغزالي / فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة / ١٧١ (مكتبة الجندي د. ت).
(٣) مدكور / علم الكلام / ٦٩ - ١٥٢.