ولئن كان ما قدمه ابن القيم عن المناظرة بين سني وجبري، أو سني وقدري متأخرا في الزمن من حيث التأليف، فإنه يصور المرحلة التي نتحدث عنها وإن سبقت ابن القيم.
وما كان لفقهاء السلف أن يصمتوا والجدل دائر حولهم في مجال هم يرون الفقه فيه هو الفقه الأكبر، أعني مجال العقيدة، ولذلك دخلوا بقدر وحذر، وهدفهم الحفاظ على عقيدة السلف الصالح ببيانها في مقابل شطط الفرق وغلو المتطرفين.
ثانيا: وجد الاهتمام ببحوث العقائد في علم استقل عن غيره من العلوم كما وضح هذا من تعريفه وموضوعاته، وقد بدأ هذا العلم - كما ذكرنا - أصيلا ويهدف إلى غاية نبيلة. غير أن الفرق حادت به عن الصراط في كثير من بحوثها داخله. حيث المغالاة والانحراف بالجدل إلى ما لا يحبه الله.
ثالثا: ألفت كتب في عقائد الفرق، كل فرقة حرصت على أن تثبت أصولها لتعلمها للناس من جهة، ولترويها على غيرها من جهة أخرى، كما فعلت المعتزلة في " الأصول الخمسة " والانتصار، وغير هذا كثير.
رابعا: وسط هذا الجو المفعم بالجدل، والمهتم بتأصيل الأصول حتى ولو كانت تخالف المنهاج القرآني، وسط هذا كان على علماء السلف فرضا ضروريا أن يقدموا المعتقد السليم للناس مواجهة للتطرف، وحرصا على هذه الأمة التي حفظ الله لها أصول دينها، وقيض لها حماة مخلصين، فكانت المؤلفات التي أثارت سؤال سبب الاهتمام، والاطلاع على منهجها يظهر تعاضد جهود الفقهاء وأهل الحديث في هذا الباب.
ولعلنا من خلال ما قدمنا نكون قد أظهرنا أن ما أنتجته هذه المرحلة من اهتمام العلماء بالعقيدة السلفية كان مسوغا وضروريا من الوجهة العلمية، وهذا نفسه ينطبق على المرحلة الثانية التي يجب أن نعالجها كنقطة هامة تكمل الإجابة على السؤال المطروح.