للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرحبيل بن عمرو الغساني فقتله، ولم يقتل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، رسول غيره، فاشتد ذلك عليه، وندب الناس فأسرعوا وعسكروا بالجرف (١)، وهم ثلاثة آلاف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمير الناس زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه عليهم (٢)».

وعقد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لواء أبيض دفعه إلى زيد، وأوصاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا عليهم بالله وقاتلوهم. وخرج مشيعا لهم حتى بلغ (ثنية الوداع) (٣)، فوقف وودعهم، فلما ساروا من معسكرهم نادى المسلمون: دفع الله عنكما وردكم صالحين غانمين! فقال عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرع تقذف الزبدا (٤)

ولما فصلوا من المدينة، سمع العدو بمسيرتهم، فجمعوا لهم، وقام فيهم شرحبيل بن عمرو، فجمع أكثر من مائة ألف، وقدم الطلائع أمامه.

ونزل المسلمون (معان) (٥) من أرض الشام، وبلغ الناس أن هرقل قد نزل (مآب) (٦) من أرض البلقاء في مائة ألف من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام.

وأقام المسلمون ليلتين لينظروا في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخبره الخبر. . . فشجعهم عبد الله بن رواحة على المضي، فمضوا إلى مؤتة.

ووافاهم المشركون، فجاء ما لا قبل لأحد به من العدد والسلاح والكراع


(١) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام، انظر التفاصيل في معجم البلدان (٣/ ٨٦)
(٢) صحيح البخاري المغازي (٤٢٦١).
(٣) ثنية الوداع: ثنية مشرفة على المدينة، سميت لتوديع المسافرين، انظر معجم البلدان (٣/ ٢٥)
(٤) ذات فرع: أي ذات سعة
(٥) معان: مدينة بطرف بادية الشام تلقاء الحجار، انظر معجم البلدان (٨/ ٩٣)
(٦) مآب: مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء، انظر معجم البلدان (٧/ ٢٤٩)