للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملك من الانفراد بالمجد وحصول الترف والدعة أقبلت الدولة على الهرم، وذلك أن للدول أعمارا طبيعية كما للأشخاص، وعمر الدولة لا يعدو في الغالب ثلاثة أجيال؛ لأن الجيل الأول لم يزالوا على خلق البداوة وخشونتها وتوحشها من شظف العين والبسالة والافتراس والاشتراك في المجد، فلا تزال بذلك سورة العصبية محفوظة فيهم، فحدهم مرهف وجانبهم مرهوب، والناس لهم مغلوبون، والجيل الثاني تحول حالهم بالملك والترفه من البداوة إلى الحضارة، ومن الشظف إلى الترف والخصب، ومن الاشتراك في المجد إلى انفراد الواحد به كل الباقين عن السعي فيه. . . وأما الجيل الثالث فينسون عهد البداوة والخشونة، كأن لم يكن، ويفقدون حلاوة العز والعصبية بما هم فيه من ملكة القهر، ويبلغ منه الترف غايته. . . فيصيرون عيالا على الدولة. . وتسقط العصبية بالجملة وينسون الحماية والمدافعة والمطالبة.

الباب الرابع: ويخصه ابن خلدون لظواهر العمران الحضري كنشأة المدن وبناء الهياكل وخرائب الأمصار.

الباب الخامس: وفيه يتناول ابن خلدون المعاش ووجوبه ووجوهه وأصنافه ومذاهبه.

الباب السادس: في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه، وفيه يصف العلم والتعليم بأنها شيء طبيعي في العمران البشري، وأن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة، ويضرب لذلك مثلا حال بغداد وقرطبة والقيروان والبصرة والكوفة، لما كثر عمرانها في صدر الإسلام، واستوت فيها الحضارة، كيف زخرت فيها بحار العلم، وتفننوا في اصطلاحات التعليم وأصناف العلوم، واستنباط المسائل والفنون، حتى أربوا على المتقدمين، وفاتوا المتأخرين. ولما تناقص عمرانها واندحر سكانها انطوى ذلك البساط بما عليه جملة، وفقد العلم بها والتعليم، وانتقل إلى غيرها من أمصار الإسلام " (١).


(١) انظر المقدمة، وانظر د. عفت الشرقاوي: أدب التاريح ٣٣٣ وما بعدها.