للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكرنا -وليس تعليلا خارجيا، بل هو تعليل باطني (١)، مستقى من الرؤية الشاملة الفلسفية لما يقبع خلف الوقائع الظاهرة. إنه نظر إلى الواقعة من داخلها، ومن نقطة الإحاطة بكل جوانبها، ومن ربطها بإطارها العام، وهذا ما ألمع إليه ابن خلدون بقوله:

" أما بعد، فإن فن التأريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، وتشد إليها الركائب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال، ويتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والأول، والسوابق من القرون والدول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال. وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لهذا أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق " (٢).

٣ - الفكر، فإذا كان المؤرخ مجرد مسجل للحدث، باحث عن الطرق الصحيحة لإثباته، فإن مفسر التأريخ يحتاج إلى عمليات فكرية معقدة، في محاولة لجمع جزئيات الماضي، ولاستحضاره في حاضره، عن طريق بنائه بناء تركيبيا، ولاستخلاص أسباب اتجاهه للإيجاب أو السلب. فالجانب المعرفي والفكري أساسي لمفسر التاريخ.

٤ - الحركة أو " الديناميكية " فالمفسر للتاريخ يقدم لنا صورة تبدو وكأنها إعادة حية (متحركة) للوقائع، حتى نحس بطبيعة العوامل التي تقف خلف الأحداث. ولهذا يلجأ فيلسوف التاريخ لرصد كل العوامل النفسية " والبيولوجية " والفكرية والعقدية والاقتصادية، ويربط بينها ويعطي لكل عامل


(١) انظر د. أحمد صبحي: في فلسفة التاريخ ١٣٩
(٢) المقدمة ٣ - ٤