للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حلالا، وهذا ضلال مبين. فإن حدوا في ذلك مقدارا ما سئلوا عن البرهان في ذلك إن كانوا صادقين. فلاح فساد هذا القول بيقين لا شك فيه. ومن الباطل المتيقن أن يحرم الله تعالى علينا ما لا يفصله لنا من أوله لآخره لنجتنبه ونأتي ما سواه، إذا كان تعالى يكلفنا ما ليس في وسعنا من أن نعلم الغيب وقد أمننا الله تعالى من ذلك.

(فإن قالوا): إن في بعض ألفاظ الخبرين ذلك كان حين دنوا من المدينة. قلنا: الدنو يختلف ولا يكون إلا بالإضافة، فمن أتي من تبوك فكان من المدينة على ست مراحل أو خمس فقد دنا منها، ويكون الدنو أيضا على ربع ميل وأقل أو أكثر فالسؤال باق عليكم بحسبه، وأيضا فإن هذه اللفظة إنما هي في رواية سالم بن أبي الجعد وهو إنما روى أن ركوب جابر كان تطوعا من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشرطا (١) وفي رواية المغيرة عن الشعبي عن جابر دليل على أن ذلك كان في مسيرهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى غزاة، وأيضا فليس فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من ذلك الشرط إلا في مثل تلك المسافة، فإذا لم يقيسوا على تلك المسافة سائر المسافات فلا تقيسوا على تلك الطريق سائر الطرق (٢) ولا تقيسوا على اشتراط ذلك في ركوب جمل سائر الدواب وإلا فأنتم متناقضون متحكمون بالباطل. وإذا قستم على تلك الطريق سائر الطرق، وعلى الجمل سائر الدواب، فقيسوا على تلك المسافة سائر المسافات. كما فعلتم في صلاته عليه السلام راكبا متوجها إلى خيبر إلى غير القبلة فقستم على تلك المسافة سائر المسافات. فلاح أنهم لا متعلق لهم في هذا الخبر أصلا وبالله تعالى التوفيق.

* * *

وقد جاءت عن الصحابة رضي الله عنهم آثار في الشروط في البيع خالفوها، فمن ذلك ما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: قال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم ـ: وددنا لو أن عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف قد تبايعا حتى ننظر (٣) أيهما أعظم جدا في التجارة، فاشترى عبد الرحمن بن عوف من عثمان فرسا بأرض أخرى بأربعين ألفا أو نحوها إن أدركتها الصفقة وهي سالمة ثم أجاز قليلا ثم رجع فقال: أزيدك ستة آلاف إن وجدها رسولي سالمة قال: نعم فوجدها رسول عبد الرحمن قد هلكت وخرج منها بالشرط الآخر، قيل للزهري: فإن لم يشترط؟ قال: فهي من البائع، فهذا عمل عثمان وعبد الرحمن بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وعلمهم، لا مخالف لهم يعرف منهم، ولم ينكر ذلك سعيد، وصوبه الزهري، فخالف الحنيفيون والمالكيون والشافعيون كل هذا وقالوا: لعل الرسول يخطئ أو يبطئ أو يعرضه عارض فلا يدري متى يصل، وهم يشنعون مثل هذا إذا خالف تقليدهم.

ومن طريق وكيع نا محمد بن قيس الأسدي عن عون بن عبد الله عن عتبة بن مسعود قال: إن تميما الداري باع داره واشترط سكناها (٤) حياته وقال: إنما مثلي مثل أم موسى رد عليها ولدها وأعطيت أجر رضاعها. ومن


(١) كذا في الأصل ولعله: لا شرطا.
(٢) في النسخة رقم ١٦ (سائر الطريق).
(٣) في النسخة ١٤ حتى نعلم.
(٤) في النسخة ١٦ سكناه.