للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تزيدون عليها فتظلمون الآخذ، ولا تنقصون منها فيظلمكم من أخذها، فإن كان هذا القابض معسرا فالواجب إنظاره إلى ميسرة، وإن تصدقتم عليه وأبرأتموه فهو أفضل لكم وخير لكم، فإن أبت نفوسكم وشحت بالعدل الواجب أو الفضل المندوب فذكروها يوما ترجعون فيه إلى الله وتلقون ربكم فيوفيكم جزاء أعمالكم أحوج ما أنتم إليه (١).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا من تفسير المنار على قوله تعالى

{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} (٢)

أي فمن بلغه تحريم الله تعالى للربا ونهيه عنه فترك الربا فورا بلا تراخ ولا تردد انتهاءا عما نهى الله عنه فله ما كان أخذه فيما سلف من الربا لا يكلف رده إلى من أخذه منهم بل يكتفى منه بأن لا يضاعف عليهم بعد البلاغ شيئا {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} (٣) يحكم فيه بعدله، ومن العدل ألا يؤاخذ بما أكل من الربا قبل التحريم وبلوغه الموعظة من ربه. ولكن العبارة تشعر بأن إباحة أكل ما سلف رخصته للضرورة وتومئ إلى أن رد ما أخذ من قبل النهي إلى أربابه الذين أخذ منهم من أفضل العزائم؛ ألم تر أنه عبر عن إباحة ما سلف باللام ولم يقل كما قال بعد ذكر كفارة صيد المحرم ٥: ٩٥ - {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} (٤) وأنه عقب هذه الإباحة بإبهام الجزاء وجعله إلى الله والمعهود في أسلوبه أن يصل مثل ذلك بذكر المغفرة والرحمة، كما قال في آخر آية محرمات النساء ٤: ٢٣ -

{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} (٥) أباح أكل ما سلف قبل التحريم وأبهم جزاء آكله. لعله يغص بأكل ما في يده منه فيرده إلى صاحبه، ولكنه صرح بأشد الوعيد على من أكل شيئا بعد النهي فقال تعالى {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (٦) أي ومن عاد إلى من كان يأكل من الربا المحرم بعد تحريمه فأولئك


(١) التفسير القيم لابن القيم، ص ١٧٢ و ١٧٣.
(٢) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٣) سورة البقرة الآية ٢٧٥
(٤) سورة المائدة الآية ٩٥
(٥) سورة النساء الآية ٢٣
(٦) سورة البقرة الآية ٢٧٥