والواقع من الأمر أن فكرة تعدد الصفقة هي الفكرة التي تسيطر على فساد العقد المقترن بالشرط، بل إن فكرة الربا نفسها - لو سلمنا بها جدلا - ترد في النهاية إلى فكرة تعدد الصفقة، ذلك أن كل مثل تورده الفقهاء للشرط الفاسد الذي يفسد العقد يتضمن حتما صفقتين في صفقة واحدة ولا يتحتم أن يتضمن فكرة الربا، فالشرط الفاسد هو في ذاته صفقة تضمنها عقد البيع، وقد يكون إجارة أو إعارة أو بيعا آخر أو هبة أو صدقة أو زواجا أو غير ذلك، فإذا ما اقترن البيع بهذا الشرط أصبح صفقتين في صفقة واحدة.
والشرط الفاسد قد لا يكون له مقابل من الثمن أو يكون له هذا المقابل، فإن لم يكن له مقابل من الثمن، فهنا تأتي فكرة الربا، إذ يقول الفقهاء: إن الشرط يكون زيادة منفعة مشروطة في العقد لا يقابلها عوض، فيفسد العقد للربا، ولكن إذا صح أن تقوم فكرة الربا هنا، فإنه مع ذلك يمكن الاستغناء عنها بفكرة تعدد الصفقة، ويمكن القول بأن العقد الذي تضمن هذه الزيادة المشروطة في المنفعة دون عوض إنما تضمن صفقة أخرى فأصبح صفقتين في صفقة.
أما إذا كان الشرط له مقابل من الثمن، فإن فكرة الربا لا تقوم، إذ تصبح زيادة المنفعة المشروطة في العقد يقابلها عوض. فلا يمكن تعليل فساد العقد عندئذ إلا بفكرة تعدد الصفقة.
ومن هنا نتبين أن فكرة الربا لا تصلح لتعليل جميع الأحوال التي يفسد الشرط فيها العقد، فقد رأيناها لا تصلح إلا لتعليل بعض هذه الأحوال، وحتى في هذا البعض يمكن الاستغناء عنها بفكرة تعدد الصفقة.
أما فكرة تعدد الصفقة فتصلح تعليلا لفساد العقد المقترن بالشرط الفاسد في جميع الأحوال دون استثناء.
على أن هناك ما هو أبعد مدى من ذلك، فإن التعليل بالربا، حتى في بعض الأحوال دون بعض قد لا يستقيم، فالربا لا يكون إلا في الأموال الربوية، وهي المكيلات والموزونات عند الحنفية، فإذا كان البيع الذي اقترن بشرط فاسد لم يقع على مال ربوي، لم تقم علة الربا بشطريها وهما القدر والجنس، فلا يصح تعليل فساد العقد في هذه الحالة بفكرة الربا.
ففكرة تعدد الصفقة تجب إذن فكرة الربا، وهي وحدها - في رأينا - التي ضيقت المذهب الحنفي، وجعلت العقد يفسد إذا اقترن بالشرط. ففي هذا المذهب لا يجوز أن يتضمن العقد الواحد أكثر من صفقة واحدة. فإذا أضيف إلى هذه الصفقة صفقة أخرى، ولو في صورة شرط فإن العقد يضيق بالصفقتين ويفسد، فتسقط الصفقتان معا.