للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبيل المؤمنين {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (١).

هذا الحوار بين ملائكة الموت وأولئك الخاضعين لأحكام الطواغيت. . إنما يجري بين الفريقين بعد أو أثناء انفصال أرواح هؤلاء عن أبدانهم. ويستحيل أن يحدث ذلك لو كان الموت قد أصاب هذه الأرواح كما أصاب أجسامها، وهو حوار واع يؤكد أن لها كل خواص (الإنسان) الذي كانت تحتل صورته قبل الموت، ولا تفسير لذلك إلا أن هذا المتحدث إنما هو نفسه (الإنسان) الذي تفصل المنية بينه وبين أجزائه الترابية التي انتهت مهمتها.

٣ - وعن الشهداء الذين صدقوا الله ما وعدوه يرينا المولى تباركت أسماؤه هذه الصور السعيدة {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (٢) {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (٣).

فالشهداء أحياء عند ربهم مرزوقين فرحين مستبشرين. . وهذه أحوال لا يمكن تصورها إلا في أحياء يحتفظون بكل وعيهم الذي عاشوا به من قبل، وإن اختلف النوع بين الحياتين اختلاف العالمين اللذين تنقلوا بينهما. . وفي صحيح مسلم أن «أرواحهم في جوف طير خضر (٤)»، وفي أثر آخر أنها في حواصل طير خفر تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش. وذلك من إكرام ربهم لهم، على حين تكون أرواح الكفرة والفسقة في مقارها المناسبة لها، كما هو الحال بالنسبة إلى آل فرعون الذين يصور لنا الله مصيرهم بقوله الحق {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} (٥).


(١) سورة النساء الآية ٩٧
(٢) سورة آل عمران الآية ١٦٩
(٣) سورة آل عمران الآية ١٧٠
(٤) صحيح مسلم الإمارة (١٨٨٧)، سنن الترمذي تفسير القرآن (٣٠١١)، سنن ابن ماجه الجهاد (٢٨٠١)، سنن الدارمي الجهاد (٢٤١٠).
(٥) سورة غافر الآية ٤٦