للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي نطالعه في الحديث الطويل الذي أخرجه الشيخان وفيه يقص علينا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله خبر أولئك العصاة الذين لم يعملوا خيرا وشملتهم رحمة الله أخيرا، فكانوا آخر من يغادر النار «وقد عادوا حمما- فحما ورمادا- فيلقيهم الله في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل (١)».

والحبة قبل أن تصير إلى حميل السيل لم تكن لتحمل أي دلالة على الحياة، ولكنها ما إن تستقر في ذلك المقر حتى تدب فيها الحركة، وتشرع كوامنها في التفتح والازدهار.

وتشدني هذه الصورة الشائقة للمتفحمين، وهم يستقبلون نعمة الله، إلى قوله في سوره نوح {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} (٢) {ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا} (٣) فتستوقفني ظاهرة الإنبات مقابلة بالإخراج، فأتساءل عن مدلولها. . وأرجع إلى تقرير المفسرين فلا أراهم يزيدون على القول بعلاقة المشابهة بين خلق الإنسان من عناصر الأرض وخلق النبات منها، وكذلك يقفون في موضوع الخروج والإخراج على المعنى العام للإعادة دون تفكير أو تصور لنوعه.

وأحس هنا باعثا يحفزني على التساؤل: ألا يمكن أن يكون إنشاء الخلق للإنسان الأول على الطريقة نفسها التي أنشأ بها أنواع النبات، وذلك بإيداعه سبحانه بذرة كل من النوعين أحضان الأرض تتفاعل مع عناصرها، حتى إذا شاء إبرازهما أتاح لهما الأسباب المساعدة على النماء فأخذ كل منهما سبيله إلى الظهور على الوجه المقرر له؟. .


(١) انظر جمع الفوائد رقم ١٠.٠٠٠ و ١٠.٠٥١.
(٢) سورة نوح الآية ١٧
(٣) سورة نوح الآية ١٨