للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فالشرط الذي يقتضيه العقد صحيح بداهة؛ لأنه معمول به من غير حاجة إلى أن يذكر:

والشرط الذي يلائم العقد، ويدعى في الفقه الشافعي بالشرط الذي فيه مصلحة للعقد أو الشرط الذي تدعو إليه الحاجة، صحيح أيضا ويصح معه العقد، وليس ذلك سبيل الاستثناء كما هو الأمر في المذهب الحنفي، بل هو أصل يقوم بذاته. وقد تقدم بيان ذلك. ومن أمثلة الشرط الذي فيه مصلحة للعقد اشتراط الإشهاد على العقد واشتراط كتابته في صك، واشتراط الرهن أو الكفيل بالثمن.

ولعل الفقه الشافعي لا يميز بين الشرط الذي يلائم العقد والشرط الذي تدعو إليه حاجة التعامل، فهما عنده شيء واحد، إذ هو يتحدث عن الشرط الذي يلائم العقد تحت اسم الشرط الذي فيه مصلحة للعقد أو الشرط الذي تدعو إليه الحاجة، ولا يورد أمثلة خاصة للشرط الذي تدعو إليه حاجة التعامل.

ثم إن الفقه الشافعي يذهب إلى أن الشرط الذي لا غرض فيه ولا منفعة منه يلغو ويصح العقد.

ويتمسك الفقه الشافعي بعد ذلك بالأصل المعروف، فيمنع البيع والشرط، ما دام الشرط فيه منفعة مطلوبة ولا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضى العقد. فلا يجوز أن يشتري زرعا ويشترط على البائع أن يحصده، أو ثوبا ويشترط على البائع أن يخيطه، ولا يجوز أن يبيع دارا بألف على أن يقرضه المشتري قرضا بمائة. ولا يجوز للعاقد أن يشترط ما ينافي مقتضى العقد، فلا يجوز للراهن أن يشترط على المرتهن ألا يبيع العين المرهونة أصلا.

أو ألا يبيعها حتى يمضي شهر من وقت حلول الدين، أو أن يكون المرتهن أسوة الغرماء، أو أن يضمن المرتهن هلاك العين كلها ولا يقتصر على ضمان ما زاد من قيمتها على الدين، ولا يجوز أن يشترط أحد الشركاء أن يكون له نصيب في الربح دون خسارة، أو أن يكون له مبلغ معين من الربح، فقد تربح الشركة أكثر من هذا المبلغ أو قد لا تربح شيئا، ولا يجوز أن يشترط رب المال في القراض أن يكون رأس المال في يده، أو أن يشترك مع العامل في التجارة، أو أن تكون يد العامل يد ضمان. ويمنع الفقه الشافعي البيعتين في بيعة، ويتأول الحديث الوارد في النهي عن ذلك على وجهين لا يجيز أيا منهما، فلا يصح أن يشتري بألف نقدا أو بألفين نسيئة، كما لا يصح أن يبيع العبد بألف على أن يبيع منه المشتري أو أجنبي الدار بألفين.

ويبدو أن الشرط الذي فيه منفعة مطلوبة دون أن يقتضيه العقد أو يلائم مقتضى العقد يبطل في مذهب الشافعي المعاوضات والتبرعات على السواء.

ويتبين مما تقدم أن مذهب الشافعي قد تطور على نحو يكاد يضاهي فيه المذهب الحنفي وإن كان يتسع عنه في جهة ويضيق دونه في جهة أخرى.