للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم أنتم أيها الأمة، إلى القبلة التي هي القبلة (١).

وهذا شبيه بقوله تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (٢). قال الإمام الطبري: ومعنى الكلام: لكل قوم منكم جعلنا طريقا إلى الحق يؤمه وسبيلا واضحا يعمل به واختلف أهل التأويل في المعني بقوله تعالى {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً} (٣).

فقال بعضهم: عنى بذلك أهل الملل المختلفة، أي أن الله جعل لأهل كل ملة شريعة ومنهاجا، وفسر قتادة الشريعة والمنهاج فقال: سبيلا وسنة، والسنن مختلفة، للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء، بلاء، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، ولكن الدين الواحد الذي لا يقبل الله غيره: التوحيد والإخلاص لله، الذي جاءت به الرسل، لأن الله تعالى ذكر ما كتب على بني إسرائيل في التوراة، وتقدم إليهم بالعمل بما فيها، ثم ذكر أنه قفى بعيسى ابن مريم على آثار الأنبياء قبله وأنزل عليه الإنجيل وأمر من بعثه إليه بالعمل بما فيه، ثم ذكر نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم، وأخبره أنه أنزل إليه الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب، وأمره بالعمل بما فيه والحكم بما أنزل إليه فيه دون ما في سائر الكتب غيره، وأعلمه أنه قد جعل له ولأمته شريعة غير شرائع الأنبياء والأمم قبله الذين قص عليه قصصهم، وإن كان دينه ودينهم، في توحيد الله والإقرار بما جاءهم به من عند الله


(١) تفسير الطبري ٣/ ١٩٢ - ١٩٣، تحقيق محمود شاكر، تفسير ابن كثير ١/ ١٩٥.
(٢) سورة المائدة الآية ٤٨
(٣) سورة المائدة الآية ٤٨