للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له من العبادة شيء، وأثبتت الإلهية لله وحده، بمعنى أن العبد لا يأله غيره، أي لا يقصده بشيء من التأله، وهو تعلق القلب الذي يوجب قصده بشيء من أنواع العبادة، كالدعاء والذبح والنذر وغير ذلك، وبالجملة فلا يأله إلا الله أي لا يعبد إلا هو، فمن قال هذه الكلمة عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها، من نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك والعمل به، فهذا هو المسلم حقا، فإن عمل به ظاهرا من غير اعتقاد فهو المنافق، وإن عمل بخلافها من الشرك فهو الكافر ولو قالها، ألا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهرا وهم في الدرك الأسفل من النار، واليهود يقولها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر، فلم تنفعهم، وكذلك من ارتد عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها فإنها لا تنفعه، ولو قالها مائة ألف، فكذلك من يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله، كعباد القبور والأصنام فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها، وما أشبهه من الأحاديث، وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك بقوله (وحده لا شريك له) تنبيها على أن الإنسان قد يقولها وهو مشرك، كاليهود والمنافقين وعباد القبور، لما رأوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا قومه إلى قول لا إله إلا الله، ظنوا أنه إنما دعاهم إلى النطق بها فقط، وهذا جهل عظيم، وهو - عليه السلام - إنما دعاهم إليها ليقولوها ويعملوا بمعناها، ويتركوا عبادة غير الله، ولهذا قالوا: {أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (١) وقالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} (٢) فلهذا أبوا عن النطق بها، وإلا فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين، ولقاتلهم عليه السلام حتى يخلعوا الأنداد ويتركوا عبادتها، ويعبدوا الله وحده لا شريك له، وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والإجماع، وأما عباد القبور فلم يعرفوا معنى هذه الكلمة، ولا عرفوا الإلهية المنفية عن غير الله الثابتة له وحده لا شريك له، بل لم يعرفوا من معناه إلا ما أقر به المؤمن والكافر، واجتمع عليه الخلق كلهم من أن معناها لا قادر على الاختراع، أو أن معناها الإله، هو الغني عما سواه، الفقير إليه كل ما عداه ونحو


(١) سورة الصافات الآية ٣٦
(٢) سورة ص الآية ٥