للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (١) وقد شهد له صحابته - رضي الله عنهم - بهذا البلاغ والبيان، فيقول أبو ذر - رضي الله عنه -: " توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علما " (٢). وروى أحمد وابن ماجه عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك (٣)» وفي صحيح مسلم وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شرما يعلمه لهم (٤)» وقد اشتهر أنه - صلى الله عليه وسلم - بدأ بدعوة أهل بلده وقومه، ثم بدعوة العرب في أنحاء الجزيرة، ثم بمن وراءهم، فكان يرسل الرسل إلى القبائل في البوادي والقرى للدعوة إلى الله وقبول هذه الرسالة، ثم بعث الدعاة إلى اليمن والبحرين وغيرهما، ثم بعث كتبا تتضمن الدعوة إلى هذه الشريعة إلى ملوك الفرس والروم وغيرهم، فما توفي حتى انتشرت دعوته، واشتهر أمره عند القريب والبعيد {فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} (٥) وهكذا قام صحابته من بعده بالدعوة إلى دينه، وقتال من أبى وامتنع من قبولها، حتى يدخل في الإسلام أو يعطي الجزية، ويلتزم الذل والصغار، حتى بلغت هذه الدعوة أقطار الأرض في أقصر مدة، كما ذكر في كتب التاريخ، ومع ذلك فإن من كان نائيا في طرف البلاد وقدر أنه لم يسمع بهذه الشريعة أصلا فإن له حكم أهل الفترات، وهو مع ذلك مكلف بأن يبحث وينقب عن الدين الذي خلق له وما يدين به الناس حوله.


(١) سورة النور الآية ٥٤
(٢) ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أول الحموية وهو في مسند أحمد ٥/ ٢٦٣ وغيره
(٣) هو في سنن ابن ماجه برقم ٥ ومسند أحمد ٤/ ١٢٦. عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه.
(٤) هو في صحيح مسلم مع الشرح ١٢/ ٢٣٢ مطولا.
(٥) سورة النحل الآية ٣٦