للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان أحمد لا يميل شيئا في القرآن ويروي الحديث: «أنزل مفخما ففخموه» وكان لا يدغم شيئا في القرآن إلا (اتخذتم) وبابه. كأبي بكر، ويمد مدا متوسطا وكان - رضي الله عنه - من المصنفين في فنون العلوم من التفسير والناسخ والمنسوخ والمقدم والمهر إلى غير ذلك، وأما النقل فقد سلم الكل له انفراده فيه بما لم ينفرد به سواه من الأئمة من كثرة محفوظة منه ومعرفة صحيحه من سقيمه وفنون علومه، وقد ثبت أنه ليس في الأئمة الأعلام قبله من له حظ في الحديث كحظ مالك. ومن أراد معرفة مقام أحمد في ذلك من مقام مالك فلينظر فرق ما بين المسند والموطأ (١) قال ابن بدران في كتاب المدخل (٢) في ذكر مؤلفاته: والمسند وهو ثلاثون ألف حديث، وكان يقول لابنه عبد الله: احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماما، وقال عبد الله قرأ علينا أبي المسند وما سمعه منه غيرنا وقال لنا: هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة ألف حديث. . . انتهى.

وهذا يدل على غزارة علمه بالحديث، وتميزه فيه وقوة نقده. وهكذا من يتعلم العلم من مصادره الأصيلة: كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويتتلمذ على حملته من جهابذة العلماء مع النية الصادقة والعمل به، فإنه حري أن يوفق لتحمل العلم النافع، ويكون إماما في الدين، كما كان الإمام أحمد وغيره من أئمة الإسلام وحملة الشريعة، فعسى أن يكون في هذا حافزا لشباب المسلمين اليوم وقد توفرت لهم وسائل التعلم ليهبوا لحمل هذا العلم الذي به عزهم وشرفهم في الدنيا والآخرة - نرجو ذلك.


(١) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي هـ ٥٩٩ - ٦٠٠.
(٢) ص١٠٤