للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنها هي التي تلامس أوتار الخاصة والعامة. ذلك أن النفس البشرية تبحث عن ذلك، ولا تدرك مدى الحاجة له والضرورة الملحة إليه، إلا بفقدانه، أو انتقاص مرتبة من مراتبه.

ويؤصل هذا المدلول ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «نعمتان مجحودتان - وفي رواية مغبون فيهما كثير من الناس - الصحة في الأبدان، والفراغ (١)» رواه البخاري عن ابن عباس (٢)، ولئن كانت الزعامات البشرية تغفل عن الأمن الأخروي، والأمن من عقاب الله، فإنما هذا عائد لنقص الإيمان لديها.

أما نظرة القرآن الكريم، وتوجيهات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنها تؤصل الإيمان، الذي يجعل النفس البشرية مطمئنة، تؤمن بما قدر الله، وتستسلم لقضائه، وتحتسب ذلك عنده أجرا مدخرا.

ومن هنا فسوف نمر عرضا ببعض من المطالب البشرية، للاطمئنان على شئون الحياة، ليبرز من ذلك اهتمام التشريع الإسلامي بذلك في مصدريه: كتاب الله وسنة رسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -. ليتضح لنا اهتمام القرآن الكريم بالعلاج النفسي المريح، قبل اهتمام علماء ومفكري العالم به.

والفرق بين الاهتمامين أن الإسلام جاء لمصلحة النفس البشرية، وتوجيهها لما يسعدها، وأن المصلحة عائدة لهذه النفس في الأول والآخر، أما ما يضعه البشر من أنظمة، يخاطب بها ألباب الجماهير، وما تحمل من وعود ومطالب وخيالات، فإن هذه الأمور تتبدد كالسراب؛ لأن الواحد يسعى لنفسه حتى يحقق ما يطلب، ويصل إلى بغيته، حيث يتجاهل بعد ذلك وعده للآخرين بالسعي لمصالحهم، ويتنكر لما يطمئنهم.

ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعثه الله رحمة للعالمين، قد كان قدوة صالحة في نفسه أولا، بمنهج السلوك والعمل، وبدعوته لتأصيل الإيمان، وتمكين العقيدة في الفئة المؤمنة؛ لأن ذلك مما يطمئن النفس ويريحها.


(١) صحيح البخاري الرقاق (٦٤١٢)، سنن الترمذي الزهد (٢٣٠٤)، سنن ابن ماجه الزهد (٤١٧٠)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ٢٥٨)، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٠٧).
(٢) وجاء في الأثر الصحة في الأبدان والأمن في الأوطان