للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده، بل ما أعطى عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما، بل هما ساقا الإسلام، وقيامه عليهما، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم، الذين فسد قصدهم، وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد يميز به بين الصحيح والفاسد، والحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، ويمده حسن القصد وتحري الحق، وتقوى الرب في السر والعلانية، ويقطع مادته اتباع الهوى وإيثار الدنيا، وطلب محمدة الخلق وترك التقوى] (١).

والفهم المراد هو فهم القضية وملابساتها، وفهم طرائق الحكم، وأحكام القرآن، يقول ابن القيم: [ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم، أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما.

والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع، ثم يطبق أحدهما على الآخر] (٢).

وقد ضرب عمر أروع المثل في التثبت من الادعاء، فلم تأخذه ضخامة الادعاء وهول المنظر، فطلب الخصم حتى يعلم ما عنده، وبناء على سماع ما عند الطرفين يحكم.

روى ابن حزم - رحمه الله - قال: [ما رويناه من طريق الكشوري عن الحذافي، نا عبد الملك الذماري، نا محمد الغفاري، حدثني ابن أبي ذئب الجهني عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: أتى عمر بن الخطاب رجل قد فقئت عينه، فقال له عمر: تحضر خصمك؟ فقال له: يا أمير المؤمنين أما بك


(١) إعلام الموقعين جـ ١ ص ٩٣ - ٩٤.
(٢) إعلام الموقعين جـ ١ ص ٩٤.