للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

روى ابن القيم بسنده، قال: [وعن عمر أنه لقي رجلا فقال: ما صنعت؟ قال: قضى علي وزيد بكذا، قال: لو كنت أنا لقضيت بكذا، قال: فما منعك والأمر إليك؟ قال: لو كنت أدرك إلى كتاب الله، أو إلى سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - لفعلت، ولكني أدرك إلى رأي، والرأي مشترك، فلم ينقض ما قال علي وزيد] (١).

وروي عن عمر أنه قضى في المشركة بإسقاط الإخوة من الأبوين ثم شرك بينهم بعد ذلك، فسئل فقال: " تلك على ما قضينا يومئذ، وهذه على ما قضينا اليوم (٢).

يقول ابن القيم: فأخذ أمير المؤمنين في كلا الاجتهادين بما ظهر له أنه الحق، ولم يمنعه القضاء الأول من الرجوع إلى الثاني، ولم ينقض الأول بالثاني، فجرى أئمة الإسلام بعده على هذين الأصلين (٣).

والقاضي مقيد وملزم بالحكم بما في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتخريج القضايا على نصوصها، إذ لم يكن في الحادثة نص صريح يشملها يقول الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (٤).

وإذا لم يلتزم بهذا النهج فإن حكمه مردود، أما إذا كان ملتزما ولكن خفيت عليه بعض النصوص، أو اجتهد في فهم النصوص فلم يوفق فإن عليه الرجوع إلى الصواب الموافق لحكم الله في كتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذا هو ما حدا بعمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - إلى الكتابة إلى أبي موسى بتبيين وجهة نظره في هذه المسألة.

ولقد فهم بعض العلماء - رحمهم الله تعالى - من كلام عمر الذي كتب به إلى


(١) إعلام الموقعين جـ ١ ص ٦٨.
(٢) المغني لابن قدامة جـ ٩ ص ٥٧، وإعلام الموقعين جـ ١ ص ١١٩ - ١٢٠.
(٣) إعلام الموقعين جـ ١ ص ١٢٠.
(٤) سورة المائدة الآية ٤٩