للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للإنسانية به، لقد انجرفت في إتلافها هذا بسبب منشأ ثقافتها التي يطلق عليها اليوم (العلمية) منذ عهد ديكارت، لقد حاولت أوربا ونجحت في خطها الجديد هذا. ونجاحها قد يفسر لنا اليوم على المدى البعيد فشلها في الاستمرار عن البحث عن معنى الحياة، وتأكيد القيمة الكيفية، لقد نجحت في إخضاع كل شيء لمقاييس الكم، ولكن نجاحها يفسر بالتالي الأزمة التي تمر بها حضارتها التي فقدت كل مبررات وجودها؛ لأنها أفقدت الوجود وقداسته (١).

وبقدر ما تراكمت الإمكانيات الحضارية الكمية اضمحلت القاعدة الأخلاقية الروحية المعنوية التي تتحمل في كل مجتمع عبأ الأثقال الاجتماعية والمادية، إذ لا بد من قاعدة روحية متينة تتحمل هذه الأعباء التي ترزح وهي في خضم الأشياء التي تنتجها التكنولوجيا. إن الإنسانية بشطرها المتخلف وبشطرها المتحضر تعاني من هذه الأزمة الخطيرة، والتي هي أخطر أزمة في وجودها على سطح الأرض، ونحن باعتبارنا مسلمين وأمة تشاطر الإنسانية مصيرها، إذا أردنا أن نسد هذا الفراغ في النفوس المتعطشة فلا بد أن نرفع مستوانا إلى مستوى الحضارة أو أعلى منها؛ كي نرفع الحضارة بذلك إلى قداسة الوجود، إلى ربانية الوجود، ولا قداسة لهذا الوجود إلا بوجود الله (٢).

إن المشوار الحضاري للأمة الإسلامية طويل وصعب وتعترضه عقبات ومحاذير، وتحيط به متاهات ومشكلات، وتصحبه تحولات في السلوك والأخلاق، وتغيرات في العادات وأساليب الحياة، ولا بد للأمة الإسلامية أن تستعد لكل هذا إذ لا مناص منه. ولأن القضية خطيرة والأمر جد، فإن على مثقفي المجتمع ومفكريه أن يمارسوا دورهم ويقوموا بما هو منتظر منهم من توعية وتبصير للمجتمع لتكوين المناخ الإسلامي الصحيح. إن عملية توعية المجتمع بما تتضمنه من ممارسات وتبعات تستدعي تضافر كل الجهود في المنزل والمدرسة والجامعة والمسجد (٣).


(١) مالك بن نبي، دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين. الدار العلمية ١٩٧٤ م، ص ٢٦.
(٢) مالك بن نبي، دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين. الدار العلمية ١٩٧٤ م، ص ٤٠
(٣) محمود محمد سفر الحضارة. . تحد! ط ١، ١٤٠٠ هـ، الناشر تهامة ص ٣٧.