للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن السنة الكونية التي بينها الله عز وجل بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (١) والتي بينت لنا الداء، وكشفت لنا عن سبب هذا التحول الخطير، هي نفسها مع مثيلاتها من آيات الله توضح له الدواء، وتصف أساليب العلاج.

فكما تحول واقع المسلمين من حسن إلى سيئ تبعا لتغير مفهومهم لحقيقة وجودهم، وتقصيرهم في أداء وظيفتهم. . . فكذلك تكفل الآية لهم أن يغير الله ما بهم، ويعيدهم إلى ما كانوا عليه من خير إذا ما حققوا ذلك الشرط، وغيروا واقعهم السيئ الذي صاروا إليه، فأصلحوا مفاهيمهم، وقاموا بوظيفتهم حق القيام.

كل هذا يؤكده منطوق هذه الآية، فيشمل التغيير من أسفل إلى أعلى، كما شمل التغيير من أعلى إلى أسفل. . .

إلا أن هذا التغيير المطلوب ليس بالأمر السهل الهين، وإنما يحتاج إلى جهود عظيمة متواصلة. . . جهود خاصة يبذلها الدعاة والمربون، وجهود عامة يقوم بها عامة المسلمين. . .

فعلى الدعاة أولا أن يوضحوا للناس الحكمة من مشروعية هذه العبادات، وكيفية الاستفادة منها، وأن يلمسوا الناس واقعهم السيئ الذي هم في غفلة عنه، والذي سببه جهلهم بحقيقة هذه العبادات وغاياتها، وتحول مفهومهم لها.

وعلى الناس ثانيا أن يتفهموا هذه الحقائق، ويتنبهوا إلى الخطر المحدق بهم، ليؤدوا هذه الشعائر التعبدية عن وعي وفهم، وبخضوع وخشوع، لتؤتي ثمارها في نفوسهم.

ومن ثم تأتي رغبة الأجيال بها، ويقوى حرصهم عليها، إذا لمسوا آثارها في النفوس، وظهرت فوائدها للعيون. . .

وعندئذ تقل الحاجة إلى الكلام والإقناع؛ لأن الواقع العملي المتحرك أكبر مؤثر في النفوس، والصلاح المنبثق عن العبادة أول داع لها ومحبب فيها. . .

فلنسهم جميعا في توضيح هذه الحقائق للناس بالوسائل المختلفة، والأساليب المتنوعة، ولنكون من أنفسنا وأهلينا نماذج تطبيقية سليمة تكون الداعية الأولى للصلاح، والمصدق الأكبر لما ندعو إليه، وعندئذ نوفر


(١) سورة الرعد الآية ١١