للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونشأ بين قومه من الخزرج وهم يخوضون مع الأوس في المدينة غمار معارك تعددت أيامها، واصطلى الجانبان بنيرانها، والعربي الذي يعيش بين غبار المعارك ودمائها أحد رجلين: محارب يحمل السلاح فيذود به، ويكسب مجدا ببطولته، أو شاعر يرسل القوافي تثير وتهدد، وتسجل المفاخر، وتذيع الأمجاد، ومن النوع الثاني كان حسان، ومكانة الشاعر في المعارك لا تقل عن مكانة الفارس، فالفارس ساعد القبيلة، والشاعر لسانها يصور مواقفها وأمجادها إذا كانت فيه الموهبة القادرة على التصوير، وكان حسان يختلس نفسه من ضجيج المعارك حينا فيشارك العرب اجتماعاتهم في سوق عكاظ يسمع ما تجود به العبقريات الشاعرة، ويسمع من فيه ما قاله في عامه من روائع يعتد بها في الفخر أو في غيره، وحينا يولي وجهه شطر الشام حيث ينسى بين ظلال نعماء الغساسنة آلام الحرب ومناظر الدماء التي تخلفها المعارك.

وعرف حسان كما عرف اليثربيون جميعا دعوة الإسلام بعد بيعة العقبة ولكنه لم يسلم إلا بعد هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة.

وحين دقت أسماعه أهاجي شعراء قريش للرسول غلت مراجل أحاسيسه، ورآه الرسول خير من يتزعم معركة الدفاع اللساني، فندبه لهذه المهمة ونصب له في مسجده منبرا فراح حسان يصب من فوقه حمم الهجاء على قريش وعلى من عبأتهم من الشعراء لهجاء الرسول.

* * *