للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال من قصيدة يمدح بها الرسول عليه الصلاة والسلام:

أغر عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد

نبي أتانا بعد يأس وفترة ... من الرسل والأوثان في الأرض تعبد

وأنذرنا نارا وبشر جنة ... وعلمنا الإسلام فالله نحمد

وأنت إله الخلق ربي وخالقي ... بذلك ما عمرت في الناس أشهد

تعاليت رب الناس عن قول من دعا ... سواك إلها أنت أعلى وأمجد

لك الخلق والنعماء والأمر كله ... فإياك نستهدي وإياك نعبد

يقدم الشاعر الدليل المرئي على صدق نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم في خاتم النبوة الذي وسمه الله به بين كتفيه والذي يعلمه الأحبار والرهبان بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء، ثم ذكر الشاعر تكريم الله لنبيه حيث ضم اسم النبي إلى اسمه في الشهادتين اللتين ينطق بهما المؤذن خمس مرات كل يوم كما كرمه باشتقاق اسمه من وصفه فالله محمود واشتق لرسوله من ذلك الوصف اسم محمد، وبين الشاعر أن الله أرسل رسوله بعد أن يئست نفوس المتأملين المتبصرين من الحنفاء في هداية هذه البشرية التي تخر هاماتها للأوثان وبعد فترة من الرسل، والشاعر في هذه المعاني متأثر بالأسلوب القرآن: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} (١)

أنذر بالنار وبشر بالجنة، وعلم الناس الإسلام ورأى الشاعر أن هذا من النعم التي ينبغي أن يحمد الله عليها.

ثم أعلن الشاعر عبوديته للخالق، وشهد له بالربوبية، ونزهه عن دعوى المفترين فهو وحده الخالق المنعم والأمر لله وحده {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (٢) وهو وحده المعبود.

في ظلال تلك المعاني الإسلامية عاش الشاعر بأحاسيسه وعقيدته متأثرا بدعوة الحق وبأسلوب القرآن فغير ما قدمنا نرى قوله: وأنت إله الناس ربي وخالقي قد تأثر فيه بقوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} (٣) وقوله: تعاليت رب الناس عن قول من دعا سواك. . . فيه رد على المشركين الذين حكى القرآن إشراكهم في قوله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (٤) وعلى اليهود والنصارى الذين حكى القرآن معتقداتهم في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} (٥) وقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} (٦)


(١) سورة المائدة الآية ١٩
(٢) سورة الأعراف الآية ٥٤
(٣) سورة يس الآية ٢٢
(٤) سورة الزمر الآية ٣
(٥) سورة التوبة الآية ٣٠
(٦) سورة التوبة الآية ٣١