النفوس والأموال والأعراض والعقول والأديان وليس كذلك، بل المصالح المرسلة في جلب المنافع وفي دفع المضار، وما ذكروه من دفع المضار عن هذه الأمور الخمسة فهو أحد القسمين.
وجلب المنفعة يكون في الدنيا وفي الدين، ففي الدنيا كالمعاملات والأعمال التي يقال فيها مصلحة من غير خطر شرعي، وفي الدين ككثير من المعارف والأحوال والعبادات والزهادات التي يقال فيها مصلحة للإنسان من غير منع شرعي، فمن قصر المصالح على العقوبات التي فيها دفع الفساد عن تلك الأحوال ليحفظ الخمسة فقط، فقد قصر.
وهذا فصل عظيم ينبغي الاهتمام به، فإن من جهته حصل في الدين اضطراب عظيم وكثير من الأمراء والعلماء والعباد رأوا مصالح فاستعملوها بناء على هذا الأصل، وقد يكون منها ما هو محظور في الشرع ولم يعلموه، وربما قدم على المصالح المرسلة كلاما بخلاف النصوص، وكثير منهم من أهمل مصالح يجب اعتبارها شرعا بناء على أن الشرع لم يرد بها ففوت واجبات ومستحبات، أو وقع في محظورات ومكروهات وقد يكون الشرع ورد بذلك ولم يعلمه.
وحجة الأول: أن هذه مصلحة والشرع لا يهمل المصالح، بل قد دل الكتاب والسنة والإجماع على اعتبارها.
وحجة الثاني: أن هذا أمر لم يرد به الشرع نصا ولا قياسا.
والقول بالمصالح المرسلة يشرع من الدين ما لم يأذن به الله "غالبا" وهي تشبه من بعض الوجوه مسألة الاستحسان والتحسين العقلي والرأي ونحو ذلك، فإن الاستحسان طلب الحسن والأحسن كالاستخراج، وهو رؤية الشيء حسنا كما أن الاستقباح رؤيته قبيحا والحسن هو المصلحة