عليهم إعطاء الفقراء، فإن مصلحة الغني والفقير في الدين والدنيا لا تتم إلا بذلك فإذا أربى معه، فهو بمنزلة من له على رجل دين فمنعه دينه وظلمه زيادة أخرى، والغريم محتاج إلى دينه، فهذا من أشد أنواع الظلم، ويعظمه لعن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الآخذ، وموكله وهو المحتاج المعطي للزيادة، وشاهديه وكاتبه، لإعانتهم عليه.
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم حرم أشياء مما يخفى فيها الفساد؛ لإفضائها إلى الفساد المحقق، كما حرم قليل الخمر؛ لأنه يدعو إلى كثيره مثل ربا الفضل فإن الحكمة فيه قد تخفى؛ إذ العاقل لا يبيع درهما بدرهمين إلا لاختلاف الصفات مثل: كون الدرهم صحيحا، والدرهمين مكسورين، أو كون الدرهم مصوغا أو من نقد نافق ونحو ذلك، ولذلك خفيت حكمة تحريمه على ابن عباس ومعاوية وغيرهما، فلم يروا به بأسا، حتى أخبرهم الصحابة الأكابر- كعبادة بن الصامت وابن سعيد وغيرهما- بتحريم النبي صلى الله عليه وسلم لربا الفضل.
وأما الغرر: فإنه ثلاثة أنواع. إما المعدوم؛ كحبل الحبلة، وبين السنين، وإما المعجوز عن تسليمه؛ كالعبد الآبق، وإما المجهول المطلق، أو المعين المجهول جنسه أو قدره؛ كقوله بعتك عبدا أو بعتك ما في بيتي، أو بعتك عبيدا. فأما المعين المعلوم جنسه وقدره المجهول نوعه أو صفته؛ كقوله: بعتك الثوب الذي في كمي، أو العبد الذي أملكه ونحو ذلك، ففيه خلاف مشهور، وتغلب مسألة بيع الأعيان الغائبة، وعن أحمد فيه ثلاث روايات، إحداهن: لا يصح بيعه بحال، كقول الشافعي الجديد، والثانية: يصح وإن لم يوصف، وللمشتري الخيار إذا رآه، كقول أبي حنيفة، وقد روى عن أحمد: لا خيار له. والثالثة