للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفقهاء، مثل الحب والثمر في قشره الذي ليس بصوان كالباقلاء والجوز واللوز في قشره الأخضر، وكالحب في سنبله، فإن القول الجديد عنده أن ذلك لا يجوز، مع أنه قد اشترى في مرض موته باقلاء أخضر، فخرج ذلك له قولا، واختاره طائفة من أصحابه كأبي سعيد الإصطخري، وروي عنه أنه ذكر له: أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الحب حتى يشتد (١)» فدل على جواز بيعه بعد اشتداده، وإن كان في سنبله، فقال: إن صح هذا أخرجته من العام أو كلاما قريبا من هذا، وكذلك ذكر أنه رجع عن المولى بالمنع.

قال ابن المنذر: جواز ذلك هو قول مالك وأهل المدينة، وعبيد الله بن الحسن وأهل البصرة وأصحاب الحديث وأصحاب الرأي. وقال الشافعي مرة: لا يجوز، ثم بلغه حديث ابن عمر، فرجع عنه وقال به، قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا يعدل عن القول به.

وذكر بعض أصحابه قولين. وأن الجواز هو القديم، حتى منع من بيع الأعيان الغائبة بصفة وغير صفة، متأولا أن بيع الغائب غرر وإن وصف، حتى اشترط فيما في الذمة- كدين السلم- من الصفات وضبطها ما لم يشترطه غيره، ولهذا يتعذر أو يتعسر على الناس المعاملة في العين والدين بمثل هذا القول، وقاس على بيع الغرر جميع العقود، من التبرعات والمعاوضات فاشترط في أجرة الأجير وفدية الخلع والكتابة، وصلح أهل الهدنة، وجزية أهل الذمة: ما اشترطه في البيع عينا ودينا، ولم يجوز في ذلك جنسا وقدرا وصفة إلا ما يجوز مثله في البيع، وإن كانت هذه العقود لا تبطل بفساد أعواضها، أو يشترط لها شروط أخر.

وأما أبو حنيفة: فإنه يجوز بيع الباقلاء ونحوه في القشرين، ويجوز إجارة الأجير بطعامه وكسوته، ويجوز جهالة المهر كجهالة مهر المثل،


(١) سنن الترمذي البيوع (١٢٢٨)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٧١)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢١٧)، مسند أحمد بن حنبل (٣/ ٢٥٠).