للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما ذكره في سورة يونس في قوله: (١٠: ٢٤) {حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ} (١) وإنما المقصود ذهاب الآفة التي يتكرر وجودها، وهذه إنما تصيب الزرع قبل اشتداد الحب، وقبل ظهور النضج في الثمر؛ إذ العاهة بعد ذلك نادرة بالنسبة إلى ما قبله، ولأنه لو منع بيعه بعد هذه العاهة لم يكن له وقت يجوز بيعه إلى حين كمال الصلاح. وبيع الثمر على الشجر بعد كمال صلاحه متعذر؛ لأنه لا يكمل جملة واحدة وإيجاب قطعه على مالكه فيه ضرر مرب.

فتبين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم مصلحة جواز البيع الذي يحتاج إليه على مفسدة الغرر اليسير، كما تقتضيه أصول الحكمة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم وعلمها أمته.

ومن طرد القياس الذي انعقد في نفسه، غير ناظر إلى ما يعارض علته من المانع الراجح أفسد كثيرا من أمر الدين، وضاق عليه عقله ودينه.

وأيضا: ففي صحيح مسلم عن أبي رافع: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا، فقدمت عليه إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا جملا خيارا رباعيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعطه إياه فإن خيار الناس أحسنهم قضاء (٢)».

ففي هذا دليل على جواز الاستسلاف فيما سوى المكيل والموزون


(١) سورة يونس الآية ٢٤
(٢) صحيح مسلم المساقاة (١٦٠٠)، سنن الترمذي البيوع (١٣١٨)، سنن النسائي البيوع (٤٦١٧)، سنن أبو داود البيوع (٣٣٤٦)، سنن ابن ماجه التجارات (٢٢٨٥)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ٣٩٠)، موطأ مالك البيوع (١٣٨٤)، سنن الدارمي البيوع (٢٥٦٥).