للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحل السؤال هنا هو قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} (١) ونفيد بأن علماء التفسير رحمهم الله اختلفوا في تفسير ذلك، وذكروا أقوالا في معناه أحسنها قولان:

أحدهما: أن المراد به ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب؛ كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك.

وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف. واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (٢).

قالوا: فالمراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية هي صغائر الذنوب وهي اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك.

فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر، ولم يصروا على الصغائر. وأحسن ما قيل في تعريف الكبائر: إنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة والزنا والقذف وشرب المسكر، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله، أو لعنة أو نار؛ كالربا والغيبة والنميمة والسب والشتم، ومما يدل على غفران الصغائر، واجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان الكلام، وزنا الأذن الاستماع، وزنا اليد البطش. وزنا الرجل الخطى، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك، أو يكذبه (٣)».


(١) سورة النجم الآية ٣٢
(٢) سورة النساء الآية ٣١
(٣) صحيح البخاري الاستئذان (٦٢٤٣)، صحيح مسلم القدر (٢٦٥٧)، سنن أبو داود النكاح (٢١٥٢)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٥٣٦).