فأما في الإسلام فإن الأصل هو أن يتولى الأفراد المرافق العامة كلها.
وسبب ذلك أن القيام بالمصالح عندنا فرض كفاية، وأنه إذا تخلف المسلمون عنها فإنهم يأثمون جميعا.
فتفاديا لهذا الإثم العام يقوم الأفراد عندنا في الإسلام أصالة عن أنفسهم بأعمال هي من النوع الذي تقوم به الدول العصرية.
فالأفراد عندنا مكلفون مباشرة بأن يعبدوا الطرق وينشئوا الجسور ويقيموا المستشفيات والمدارس والمساجد ونحو مما يلزم الحاجة العامة. نعم إذا كان بيت المال قادرا على ذلك قام به. ولكن إذا لم يكن بيت المال قادرا عليه، أو أهمله، فإن ذلك لا يعفي الأفراد من واجب إقامتهم لهذه المصالح ورعايتهم لها، ولا يكون تخلف السلطة العامة عنها عذرا لهم في فسادها.
وقد ترك هذا آثارا ظاهرة في الأحكام. منها: قيام نظام الوقف كنظام أساسي في الشريعة الإسلامية.
فالواقع أن الوقف هو " تنظيم مالي " للإنفاق على مرفق من المرافق الإدارية العامة. فهي كلها مصالح عامة مما يلزم الجمهور ويحتاجون لها كخدمات عامة في حياتهم. فالأوقاف ترصد على العلاج والتعليم والإحسان والدفن والمصالح المختلفة وهي كلها في حقيقتها وجوهرها من قبيل الخدمات الإدارية التي تقوم بها الدول الحديثة. وذات طبيعة إدارية محضة إذا نظرنا إليها بمعيار نظرة النظم الحديثة. وإنما واجهت الشريعة واجب الإنفاق الدائم على هذه الخدمات بوسيلة مناسبة هي: إيجاد المصرف المالي الدائم عليها باعتبارها جهات بر لا ينقضي.
ومنها: أحكام إصلاح الطرق والجسور والأنهار وكريها وتطهيرها.
فإن الشريعة الإسلامية تنظر إلى الطريق العام وكأنه ملك مشترك بين المنتفعين. وكذا الحال بالنسبة للمساقي ومجاري المياه والأنهار. وقد صرح الأحناف بأن هذه الحالة تعتبر " شركة إباحة " بين هؤلاء المنتفعين، وعلى هذا الأساس ألقت عليهم الواجب المباشر والتكليف بذات الالتزامات التي تقوم بها السلطات الإدارية العامة في النظم الحديثة.
وهكذا يمكن القول في سائر الاحتياجات العامة. فلا شك أن الناس يأثمون إذ تركوا أنفسهم في مشقة تهدد أمور حياتهم. فإنهم إذ خلت قريتهم أو ناحيتهم من طبيب - مما يهدد حفظ النفس والنسل - فإنهم يأثمون حتى يستقدموا طبيبا وحتى يندبوا من أبنائهم من يقوم بملء هذا الفراغ. . وهذه وظيفة إدارية حقيقية. وتقوم