للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما أحله لهم من الطيبات قال بعده: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (١) ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى فقال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٢) قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان: يعني ذبائحهم وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس، وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: أدلي بجراب من شحم يوم خيبر فحضنته وقلت: لا أعطي اليوم من هذا أحدا، والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم، فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة قبل القسمة وهذا ظاهر واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم، فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٣) قالوا: وهذا ليس من طعامهم، واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث وفي ذلك نظر لأنه قضية عين، ويحتمل أن يكون شحما يعتقدون حله كشحم الظهر والحوايا ونحوهما والله أعلم، وأجود منه في الدلالة ما ثبت في الصحيح أن «أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية وقد سموا ذراعها، وكان يعجبه الذراع، فتناوله فنهش منه نهشة فأخبره الذراع أنه مسموم، فلفظه وأثر ذلك في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبهره، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور فمات، فقتل اليهودية التي سمتها وكان اسمها زينب، فقتلت ببشر بن البراء (٤)»، ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا، وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة يعني ودكا زنخا انتهى


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) سورة المائدة الآية ٥
(٣) سورة المائدة الآية ٥
(٤) سنن أبو داود الديات (٤٥١٠)، سنن الدارمي كتاب المقدمة (٦٨).