ولما كنا أيضا بصدد بيان تحقيق الإسلام لأمن المجتمع فلا بد أن نعرف ما كان عليه الناس عموما والعرب خصوصا قبل بعثة نبي الإسلام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وما كان عليه الأمر بعد البعثة وظهور الإسلام، لأن الأشياء تعرف بأضدادها، وبضدها تتميز الأشياء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: اعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الخلق على فترة من الرسل وقد مقت أهل الأرض عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ماتوا أو أكثرهم قبيل مبعثه، والناس إذ ذاك أحد رجلين؛ إما كتابي معتصم بكتاب، وإما مبدل وإما منسوخ، أو بدين دارس بعضه مجهول وبعضه متروك.
وإما أمي من عربي وعجمي مقبل على عبادة ما استحسنه وظن أنه ينفعه من نجم أو وثن أو قبر أو تمثال أو غير ذلك.
والناس في جاهلية جهلاء من مقالات يظنونها علما وهي جهل وأعمال يحسبونها صلاحا وهي فساد، وغاية البارع منهم علما وعملا أن يحصل قليلا من العلم الموروث عن الأنبياء المتقدمين، قد اشتبه عليهم حقه بباطله، أو يشتغل بعمل القليل منه مشروع وأكثره مبتدع لا يكاد يؤثر في صلاحه إلا قليلا أو أن يكدح بنظره كدح المتفلسفة فتذوب مهجته في الأمور الطبيعية والرياضية وإصلاح الأخلاق حتى يصل - إن وصل - بعد الجهد الذي لا يوصف إلى نزر قليل مضطرب لا يروي ولا يشفي من العلم الإلهي، باطله أضعاف حقه إن حصل، وأنى له ذلك مع كثرة الاختلاف بين أهله والاضطراب وتعذر الأدلة عليه، فهدى الله الناس ببركة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من البينات والهدى هداية جلت عن وصف الواصفين وفاقت معرفة العارفين حتى حصل لأمته المؤمنين عموما ولأولي العلم منهم خصوصا من العلم النافع والعمل الصالح