للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أساليب القرآن في طلب تحكيم شريعة الله الإخبار بأن الحكم بغير ما أنزل الله ينافي الإيمان ويقود أصحابه إلى الضلال المبين {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (١) ولفظ (ما كان) هنا معناه: المنع والحظر من الشيء، والإخبار بأنه لا يحل أن يكون شرعا، وقد يكون لما يمتنع عقلا كقوله تعالى: {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} (٢) وهذا هو المراد بقولهم في تفسير الآية: ما صح ولا استقام، فإن ما لا يصح شرعا يكون مخالفا للشرع، فمعنى الآية، أنه لا يحل لمن يؤمن بالله إذا قضى الله ورسوله أمرا في أي شأن من الشئون أن يختار سواه من مذاهب الناس. مخالفا أمر الله وأمر رسوله، وإلا كان العصيان والضلال المبين.

ومن ذلك ما جاء بصيغة الاستفهام التعجبي والإنكاري مقرونا بالإعراض عن تحكيم الشريعة {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (٣) {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (٤)

ويقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} (٥) وإذا كان ذلك التعجب لإرادة التحاكم إلى الطاغوت، فكيف بالتحاكم نفسه والوقوع فيه؟


(١) سورة الأحزاب الآية ٣٦
(٢) سورة النمل الآية ٦٠
(٣) سورة الأنعام الآية ١١٤
(٤) سورة آل عمران الآية ٢٣
(٥) سورة النساء الآية ٦٠