للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن هذا الوجود الحضاري يقوم بدرجة أساسية على الإنسان نفسه، فإليه - بإرادته ووعيه، وحركته - يعزى الفضل الأول في القيام بأية حضارة إنسانية، وذلك - بالطبع - بعد عون الله وإذنه.

إن الحضارة الإنسانية هي تعبير فطري عن حاجة إنسانية يتميز بها الإنسان من سائر الكائنات، ففي داخل كل إنسان - فردا أو جماعة - حاجة تلح عليه وتؤكد له. . . عبر عدد من النوازع والسلوكيات أنه شيء متميز عن الكائنات الأخرى إنه يحس باختلافه عن مستواها، ويحس بأنه قادر على ما لا تستطيع هي أن تقدر عليه، ويحس بأنه يستطيع أن (يسمو) لدرجة لا تستطيع الكائنات التي تشاركه في الأرض أن تصل إليها.

- ليكن هذا الشيء المتميز روحا تشعره بالعلو. . . وبنفحة إنسانية خاصة، أو ليكن هذا الشيء عقلا يعقل ويتسع لرؤية الماضي واستشراق المستقبل حيث لا يستطيع غيره من الكائنات أن يمد الطرف إلى الماضي أو المستقبل.

- ليكن هذا أو ذاك، فالمهم أن (الحضارة) - أي الاستعلاء فوق الوجود المادي التاريخي - هي شيء فطري يحس به الإنسان في كيانه الداخلي، ولعلي ألمح هذا الشيء - بصورة ما - في قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} (١) وقوله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢).


(١) سورة الأحزاب الآية ٧٢
(٢) سورة الأنعام الآية ١٦٥