للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إمكانية إقلاع الأمة من جديد يكون أمرا ميسورا. مهما كانت ضآلة الأشياء التي تملكها، ومهما كانت خسائرها - إبان مرحلة السقوط - في عالم الأشياء، فالأفكار تبقى هي الرصيد المخزون للأمة عندما تفقد الأشياء لقد كانت الفكرة الإسلامية هي التي أطلقت قطار الحضارة الإسلامية، وضمنت له الاضطراد في التاريخ، وكان الإنسان المسلم المعبأ بهذه الفكرة عن يقين جازم، والذي يحس بأنه مبتعث بها في التاريخ ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله - كما قال ربعي بن عامر في وجه رستم - كانت الفكرة وكان إنسانها هما اللذان أنجزا ميلاد الحضارة الإسلامية (ولقد واصل المجتمع المسلم بالفكرة تطوره، وأكمل سبكه روابطه الداخلية بقدر امتداد إشعاع هذه الفكرة في العالم) (١).

٤ - ولقد مرت بالأمة الإسلامية هزائم كثيرة وتعرضت لصنوف من الاحتلال التتري والصليبي والاستعماري لكنها استطاعت تجاوز المحنة بفضل الله ثم بفضل الفكر الذي كان يقودها، ومن هنا تبدو خطورة (غزو الأفكار) - بواسطة التنصير والشيوعية واليهود - في العالم الإسلامي، وهو ما عمد إليه الاستعمار بعد أن أدرك عدم جدوى الغزوات العسكرية التي لم يكسب منها شيئا إلا ما تعلمه في جامعات المسلمين ومدارسهم، وهو يغزوهم أو يحاربهم، ورجع به إلى بلاده، فالأفكار هي الرصيد الصحيح الذي تلجأ إليه الأمم، وهي الوقود المخزون في الباطن والأعماق إذا انتهت البضائع من أسواق (الأشياء) في مراحل الاستهلاك أو الاستنزاف الحضاري!!


(١) انظر بتصرف مالك بن نبي شروط النهضة ٦٨ طبع بيروت