فالعصر واحد والبلد واحد، وهو الكوفة، توفي عطاء سنة (١٣٦هـ)، وتوفي الأعمش سنة (١٤٨هـ)، وهذا يدل على صحة سماع الأعمش من عطاء.
الثالث: - أن الأعمش لم ينفرد برواية هذا الحديث عن عطاء حتى يتطرق إليه احتمال التدليس فيه، بل قد رواه عن عطاء الجم الغفير من الحفاظ الثقات من أئمة المسلمين، أمثال شعبة، وسفيان الثوري، وحماد بن زيد، وإسماعيل بن علية وغيرهم، كلهم روى هذا الحديث عن عطاء، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " يعقد التسبيح بيده ". فعقد التسبيح باليد ثابت قطعا، ورواية الأعمش هذه بينت المراد باليد، وهي اليمين.
الرابع: - أن التسبيح معناه: تنزيه الله عن النقص والعيب، ولا يليق بالمسلم أن يعقد ما ينزه الله به باليد الشمال التي تزال بها الأقذار كالمخاط والاستنجاء ونحو ذلك.
الخامس: - أن جعل اليد اليمين للأشياء الطيبة مطلوب شرعا، فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله (١)».
السادس: - أن الحافظ ابن حجر قال في هذا الحديث: رجاله كلهم ثقات إلا عطاء بن السائب اختلط، ورواية الأعمش عنه قديمة، فإنه من أقرانه، نقله الألباني عن الحافظ في تعليقه على الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (٦٩) أي أن رواية الأعمش هذه عن عطاء صحيحة لقدمها قبل الاختلاط وبعدها عن التدليس.
إذا تقرر هذا فإن السنة أن يعد المسبح التسبيح بأصابع يده اليمنى كما تقدم في رواية عبد الرزاق:" يعد هكذا وعد بأصابعه "، وفي سنن أبي داود من حديث حميضة بنت ياسر:" واعقدن بالأنامل " وتقدم.
وأما عده بالحصى والنوى وغير ذلك فجائز، لفعل بعض السلف - رضي
(١) صحيح البخاري الوضوء (١٦٨)، صحيح مسلم الطهارة (٢٦٨)، سنن الترمذي الجمعة (٦٠٨)، سنن النسائي الغسل والتيمم (٤٢١)، سنن أبو داود اللباس (٤١٤٠)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (٤٠١)، مسند أحمد بن حنبل (٦/ ١٨٨).