للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان لكل منهما غلو مفرط في جانب أو جوانب منها.

فالخوارج شددوا على أنفسهم وحملوها فوق طاقتها من قيام بالليل وصيام بالنهار حتى ظهر ذلك على ملامح وجوههم ومظاهر أجسادهم.

وقد وصفهم ابن عباس بعد زيارة لهم فقال: فدخلت على قوم لم أر قط أشد منهم اجتهادا، جباههم قرحة من السجود، وأياديهم كأنها ثفن (١) وعليهم قمص مرحضة (٢) مشمرين مسهمة (٣) وجوههم من السهر. .) (٤).

وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه الطائفة بقوله: «يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم ولا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية (٥)». . . رواه مسلم وأبو داود (٦).

وأما الصوفية فقد بالغوا في الذكر والزهد وعاشوا في ظلمات الخلوات للوصول إلى (درجة اليقين) التي تسقط عندها عنهم كل التكاليف الشرعية - بزعمهم - (٧).

وقد أنكر ابن عقيل - رحمه الله - عليهم هذه الأهواء والبدع فقال: (ما أعجب أموركم في التدين: إما أهواء متبعة أو رهبانية مبتدعة) (٨).


(١) الثفن: جمع ثفنة: ركبة البعير ونحوها مما يحصل فيه غلظ من أثر البروك.
(٢) مرحضة: وصف للملابس القديمة التي بليت من كثرة استعمالها وغسلها.
(٣) مسهمة: أي متغيرة.
(٤) تلبيس إبليس ص ٢٠٥.
(٥) صحيح البخاري كتاب المناقب (٣٦١١)، صحيح مسلم الزكاة (١٠٦٦)، سنن النسائي تحريم الدم (٤١٠٢)، سنن أبو داود السنة (٤٧٦٧)، مسند أحمد بن حنبل (١/ ١٦٠).
(٦) رواه مسلم ح / ١٠٦٦، وأبو داود ح: ٤٧٦٨ وما بعده.
(٧) الفتاوى ١١/ ٤١٧.
(٨) نقله ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص٢٠٦.