للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يوثق منه الصبر على الفقر، وخاف أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما ينفقه، فأما الأنصار الذين أثنى الله عليهم بالإيثار على أنفسهم فلم يكونوا بهذه الصفة، بل كانوا كما قال الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} (١)، وكان الإيثار فيهم أفضل من الإمساك.

والإمساك لمن لا يصبر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار، وروي «أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل البيضة من الذهب فقال: هذه صدقة. فرماه بها وقال: " يأتي أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به، ثم يقصد يتكفف الناس (٢)». والله أعلم.

التاسعة: - والإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال وإن عاد إلى النفس. ومن الأمثال السائرة: "

الجود بالنفس أقصى غاية الجود

ومن عبارات الصوفية الرشيقة في حد المحبة أنها الإيثار، ألا ترى أن امرأة العزيز لما تناهت في حبها ليوسف عليه السلام آثرته على نفسها فقالت: أنا راودته عن نفسه. وأفضل الجود بالنفس الجود على حماية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح «أن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع ليرى القوم فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله، لا يصيبونك، نحري دون نحرك. ووقى بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فشلت».

وقال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي - ومعي شيء من الماء - وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته. فإذا أنا به فقلت له: أسقيك؟ فأشار برأسه أن نعم، فإذا أن برجل يقول: آه آه. فأشار إلى ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام


(١) سورة البقرة الآية ١٧٧
(٢) سنن أبو داود الزكاة (١٦٧٣)، سنن الدارمي الزكاة (١٦٥٩).