اللهم لك الحمد خلقت الإنسان وفضلته على غيره من الأكوان، بما ركبت فيه من قوى أعلاها العقل، وأغلاها الإدراك والفهم، ولكن كثيرا من عبادك نسوا ذلك التفضيل، فتورطوا فيما يسلبهم نعمتك كلا أو بعضا، ولم يكن لهم عزم يؤثرون به تلك المنة، اللهم إنهم مساكين فاهدهم من ضلالهم وبصرهم بأمرهم، لقد شربوا الإثم، وأكلوا من الطعام الخبيث المفسد للعقل؛ ظنا منهم أن ذلك يضاعف متعهم، فارتد عليهم ذلك بعكس ما يريدون وقضى عليهم، إن من عاش منهم يشقون ويتخبطون، ومن مات منهم فقد خسروا دينهم ودنياهم، ولم يفارقوا الحياة إلا بعد أن حقت عليهم كلمة الشقوة إلا من تاب.
هذا وإن تحريم الخبائث قد أصبح مما علم من الدين بالضرورة، ولا سيما أم الخبائث " الخمر" على أن ما عداها من المخدرات لن يختلف عنها كثيرا في إقبال الناس عليه مع شدة ظهوره، وقد يكون في بعض الطوائف والطبقات أكثر بحكم بيئاتهم، وعلى مقتضى قدراتهم.
ولما طلب منا أن نكتب في نظرة الشريعة الغراء إلى هذه المخدرات في بحث متكامل، رأينا أن ندرس فيه عدة نواح من الشريعة تتصل بهذا الأمر، وتنتهي إلى تعرف الحكم الشرعي من وجهة نظر الفقهاء مع تعرف وجهات التشريع الإسلامي، وتوجيه ما يصلح العباد، ويأخذ بحجزهم عن الفساد، وما يعزز ذلك من بحوث المصلحين ودراسات الأطباء والنفسيين؛ فإن الإسلام هداية تفسرها شواهد الوجود، وتثبتها وقائع الحوادث وأحوال الخلائق، فمن كان سعيدا في عيشته فلأنه عرف سبيل الإسلام، وأخذ نفسه بالعمل به، ومن كان شقيا في حياته فلأنه تنكب عن جادته، وصدق الله إذ يقول:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(١) ويقول سبحانه فيما يصور