للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الشوارع أكوام الرءوس والأيدي والأقدام، وكان الإنسان أينما سار فوق جواده يسير بين جثث الرجال والخيل ثم نقل عن شاهد آخر قوله: " إن النساء كن يقتلن بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم، ويقذف بهم من فوق الجسور، أو تهشم رءوسهم بدقها بالعمد، وذبح سبعون ألفا من المسلمين الذين بقوا بالمدينة " (١).

وقد حرص النصارى في حروبهم الصليبية التي استمرت في بلاد الشام قرابة مائتي عام، حاولوا الامتداد فيها إلى الحرمين الشريفين حرصا على تمكين عقيدتهم، والدعوة لها على أنها هي الهدى، ومحاولة قسر الناس عليها، وإبادة من يخالفها، حتى قيض الله حربا على يد صلاح الدين الأيوبي (٥٣٢ - ٥٨٩ هـ) غيرت مجرى التاريخ في عام ٥٨٣هـ، أعلت قدر الإسلام والمسلمين في ذلك الصراع، فمعركة " حطين " تعتبر من المعارك الفاصلة في التاريخ، وقد وصفها المقدسي في كتابه الروضتين قائلا: " غير أن هذه النوبة المباركة كانت للفتح المقدسي مقدمة، ولمعاقد النصر وقواعده مبرمة محكمة (٢)، فتنفس المسلمون الصعداء بعد أن ارتفعت راية الإسلام عالية، معلنة رفع الظلم الواقع على المسلمين ودينهم، وليثأر المسلمون من خصومهم، حيث انفتح لهم أوسع أبواب النصر في الحروب الصليبية، وذلك بإخراج النصارى عن حكم بيت المقدس، والهيمنة عليه، وقد وصف ذلك بالنصر وما جرى في بيت المقدس من فتح، وعدالة في معاملة النصارى، ابن الأثير في تاريخه وصفا ضافيا، مشيرا لذلك اليوم الحافل بالفرحة العامة للمسلمين بدخول القدس، وهو


(١) انظر قصة الحضارة جـ ٤: م٤ ص ٢٥ عصر الإيمان وبالطبعة العربية ترجمة جامعة الدول العربية ١٥: ٢٥.
(٢) الروضتين ٢: ٧٥.