للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والترابط. ولهذا كان حفظ القرآن أيسر من حفظ سائر أنواع النثر. مثال ذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ} (١) فلو أخذنا كلمة (النذر) منفصلة عما قبلها في الآية لوجدنا ثقلا في توالي الضمة على النون والذال معا لكن الكلمة جاءت في القرآن متلائمة تماما مع السياق يقول الرافعي: " تأمل مواضع القلقلة في دال (لقد) وفي الطاء من (بطشتنا) وهذه الفتحات المتوالية فيما وراء الطاء إلى واو (تماروا)، مع الفصل بالمد، ليكون تثقيل لخفة التتابع في الفتحات إذا هي جرت على اللسان، ليكون ثقل الضمة عليه مستخفا بعد ولكون هذه الضمة قد أصابت موضعها كما تكون الأحماض في الأطعمة ثم ردد نظرك في الراء من (تماروا) فإنها ما جاءت إلا مساندة لراء (النذر) حتى إذا انتهى اللسان إلى هذه انتهى إليها من مثلها فلا تجفو عليه ولا تغلظ ولا تنبو فيه، ثم اعجب لهذه الغنة التي سبقت الطاء في نون (أنذرهم) وفي ميمها، وللغنة الأخرى التي سبقت الذال في (النذر) " (٢).

ومثال ذلك أيضا قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (٣).

اشتملت هذه الآية على تسع جمل متلائمة مع ما قبلها وما بعدها وهي في غاية الدقة والإحكام.

أما الجملة الأولى في تلك الآية فهي قوله تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (٤) والآية التي قبلها تضمنت أن كل من في السماوات


(١) سورة القمر الآية ٣٦
(٢) الرافعي، إعجاز القرآن ص ٢٥٨.
(٣) سورة الرعد الآية ١٦
(٤) سورة الرعد الآية ١٦