للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والأرض ساجد لله فلزم الإنكار على عبدة الأصنام والتوجه إليهم بهذه الجملة الآمرة بلفظ "قل". ولما كان عبدة الأصنام يقرون توحيد الربوبية ناسب أن يأتي جواب الجملة الأولى على لسان محمد عليه الصلاة والسلام وهو قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ} (١) ولما بين الله سبحانه أنه الرب لكل المخلوقات ناسب أن يسألهم النبي: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} (٢) ومن يعبد جمادات لا تنفع ولا تضر يكون كالأعمى الذي يعيش في الظلمات بخلاف من يهديه الله ولذلك ناسب أن يأتي بعد ذلك قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (٣) ولما كان من البدهي أن الظلمة لا تساوي النور وأن العمى لا يساوي البصر فهم أيضا أن الجاهل الذي يعبد جمادات لا تنفع ولا تضر لا يساوي العالم الموحد لله، لذا أكد الله سبحانه ما تقدم بالجملتين التاليتين: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} (٤) وقد جاء قوله: {وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (٥) متلائما مع ما قبله لأن خالق كل شيء تلائمه وتثبت له صفة الوحدانية والقهر والقوة (٦).

الثاني: أن الجملة القرآنية تدل على معنى واسع يعجز عنه الناس بعبارات كثيرة، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (٧) وقد سبق الحديث عن هذه الآية في مبحث الإيجاز في القرآن.

ومن أمثلة ذلك أيضا قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (٨). فقد جمعت هذه الآية كل خير ونهت عن كل شر قال ابن مسعود رضي الله عنه: " إن أجمع آية للخير والشر في سورة النحل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (٩) ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:


(١) سورة الرعد الآية ١٦
(٢) سورة الرعد الآية ١٦
(٣) سورة الرعد الآية ١٦
(٤) سورة الرعد الآية ١٦
(٥) سورة الرعد الآية ١٦
(٦) محمد بن سعد الدبل، النظم القرآني في سورة الرعد (عالم الكتب) ص ١١٠ - ١١١.
(٧) سورة البقرة الآية ١٧٩
(٨) سورة النحل الآية ٩٠
(٩) سورة النحل الآية ٩٠