للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد تختلف الفاصلتان في موضعين والمحدث عنه واحد وذلك لنكتة لطيفة. ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (١)، وقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢).

ففي الآية الأولى يقول الحق جل وعلا للإنسان إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها وأنا معطيها فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوما وكونك كفارا. وفي الآية الثانية يقول الحق سبحانه للإنسان ولي عند إعطاء النعمة لك وصفان وهما أني: غفور رحيم، أقابل ظلمك بغفراني وكفرك برحمتي.

ثم سؤال آخر يطرحه المرء هنا: ما الحكمة في تخصيص آية النحل بوصف المنعم، وآية إبراهيم بوصف المنعم عليه؟ والجواب أن سياق الآية في سورة إبراهيم في وصف الإنسان وما جبل عليه. فناسب ذكر ذلك عقيب أوصافه. وأما آية النحل فسيقت في وصف الله تعالى وإثبات ألوهيته وتحقيق صفاته، فناسب ذكر وصفه سبحانه.

وختاما، وبعد بيان مظاهر الإعجاز البياني للقرآن الكريم يظهر بطلان القول بالصرفة.

وأول من قال بهذا الرأي النظام المعتزلي، ومراده بالصرفة أن الله سبحانه صرف همم العرب في زمن الرسالة عن معارضة القرآن، والإتيان بمثله. أي أن القرآن ليس معجزا لفصاحة ألفاظه وبلاغته وحسن نظمه وإنما لصرف الله العرب عن الإتيان بمثله. ولولا صرف الله العرب عن الإتيان بمثل القرآن لأتوا بمثله، وهم أهل الفصاحة والبيان.

ويرى النظام أن وجه إعجاز القرآن يكمن في إخباره عن الغيوب (٣) ولم يرتض المعتزلة قول النظام وأكثرهم على تكفيره (٤).


(١) سورة إبراهيم الآية ٣٤
(٢) سورة النحل الآية ١٨
(٣) الأشعري، مقالات الإسلاميين ١/ ٢٧١.
(٤) البغدادي، الفرق بين الفرق (بيروت، دار الآفاق الجديدة) ص ١١٤ - ١١٥.