للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله في وصف المؤمنين الناجين من الخسران: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (١).

النوع الثالث: الدعوة الجزئية وتكون بين الأفراد بعضهم بعضا وهي أكثر المراتب التصاقا بموضوع الاحتساب، لأن ترك المعروف وإتيان المنكر إنما يظهر أولا في الأفراد، فإذا تمادوا ولم يردعهم رادع، أصبح المنكر معروفا والمعروف منكرا- كما هو مشاهد - والدليل على هذه المرتبة قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (٢) {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} (٣) {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} (٤).

أما درجات الاحتساب فإنها تتفاوت بجسب تحقيق بعض الصفات في المحتسب، كالقدرة أو العجز والقوة أو الضعف، والعلم أو الجهل.

فالدرجة الأولى: وهي أعلاها أن يغير المنكر بيده بمعنى أن يزيله فعلا ولو اقتضى الأمر استعمال القوة، والاستعانة بغيره، وتتأكد هذه الدرجة إذا كان ما يقوم به المحتسب دفع ضرر مباشر كتخليص النفس البريئة، ودفع المعتدي (الصائل)، والدفاع عن عرض مسلم. وهذه المرتبة يقوى عليها أرباب السلطة، وأصحاب القدرة والجاه، ومن ولته الدولة أمر الاحتساب، والآباء والمربون في منازلهم وفي قراباتهم ونحو ذلك. وقد يقدر عليها العامة برفع الأمر إلى القضاء. أو إلى المحتسب الذي قد تفوض له بعض الصلاحيات في التعزير أو التأديب.

الدرجة الثانية: تغيير المنكر بالقول، وهذه الدرجة يستطيعها أغلب الناس خاصة إذا قوى بعضهم بعضا، بأن استحسن المجتمع فعل من يغير المنكر واستهجن سكوت من أقر الباطل.

والاحتساب بالقول تقوم به الحجة على العامة والخاصة، والسلطان


(١) سورة العصر الآية ٣
(٢) سورة الأعلى الآية ٩
(٣) سورة الأعلى الآية ١٠
(٤) سورة الأعلى الآية ١١