للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: اختاري. إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك؛ فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد.

قالت فاطمة: -

- لا بل أختارك عليه وعلى أضعافه (١).

تلك هي المرأة التي يقول فيها الشاعر: -

بنت الخليفة والخليفة جدها ... أخت الخلائف والخليفة زوجها

ذلك هو الوفاء، وهذا هو الإيمان، ويمتد ذلك الوفاء وهذا الإيمان إلى ما بعد وفاته فيعرض عليها يزيد بن عبد الملك ما تخلت عنه من الجواهر والحلي فترد قائلة: - لا والله لا أطيب به نفسا في حياته، وأرجع فيه بعد موته (٢).

وينظر عمر فيرى خالد بن الريان الذي قتل الحروري بحضرته أيام الوليد. فيقول له: ضع هذا السيف عنك. وعزله وجعل يقول: اللهم إني قد وضعت لك خالد بن الريان فلا ترفعه أبدا. ثم يتفرس عمر في وجوه الحرس فيرى عمرو بن مهاجر الأنصاري وكان تقيا: فقال له عمر حين رآه: والله إنك لتعلم يا عمرو أنه ما بيني وبينك قرابة إلا قرابة الإسلام، ولكني قد سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن أن لا يراك أحد، فرأيتك حسن الصلاة. خذ هذا السيف. وقد وليتك حرسي (٣).

وقد شمل هذا الانقلاب الكبير كل نواحي الحياة، فتنازل عمر عن كل القطائع والأراضي والمزارع التي أقطعت له، وردها جميعا أو أثمانها إلى بيت مال المسلمين، ثم أمر الأمراء أن يؤدوا ما بأيديهم من حقوق الناس حتى لا يكرههم على ترك ذلك بالقوة، فثقل ذلك عليهم وتبرموا، ولكنهم علموا أن عمر لن يتباطأ في إنزال العقوبة بهم إن امتنعوا عن الأداء، فلجئوا إلى عمة


(١) تاريخ الخلفاء: ص ٢١٦.
(٢) الكامل: ج ٥ ص٤٢، ٤١، ابن عبد الحكم ص ٦٢.
(٣) ابن عبد الحكم ص ١٧١.