للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (١) (التوبة / ١٢٨) فبلغ - صلى الله عليه وسلم - رسالة ربه، وأمانة من أرسله، ونصح - صلى الله عليه وسلم - للأمة النصح الكامل، ما من خير إلا دل الأمة عليه، وما من شر إلا حذرها منه، فانقاد لدعوته - صلى الله عليه وسلم - صفوة مختارة من عباد الله، آمنوا بالله، وأخلصوا دينهم لله، وجاهدوا مع رسول الله حق الجهاد، مضحين في سبيل الله بأموالهم وديارهم وأهليهم، حتى دخل الناس في دين الله أفواجا، وحطم - صلى الله عليه وسلم - الأصنام التي حول الكعبة وهو يقول:

{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} (٢) (الإسراء / ٨١).

وكان - صلى الله عليه وسلم - مدركا أن الشيطان حريص على نقض ما أبرمه - صلى الله عليه وسلم - من وحدة إسلامية ترجع في حياتها وفي تكييف علاقاتها إلى كتاب الله وإلي سنة رسول الله، وأن مداخل الشيطان على عباد الله مختلفة ومتنوعة، فمن كان إيمانه ضعيفا انقض عليه بخيله ورجله في التشكيك وطرح الشبهات في أصول الإيمان وفروعه؛ حتى يرتد عن دين الله بالكفر والإلحاد والزندقة. وإن كان إيمانه قويا لا مدخل عليه في التشكيك والزعزعة دخل عليه من باب الابتداع، ومن باب الغلو في الدين وأتباعه كما هي حاله لعنه الله مع الأحبار والرهبان من اليهود والنصارى، حيث انقادوا لوساوس الشيطان ومكايده وضلالالته، فحرفوا كتب الله، وغيروا مقتضيات شرعه، حتى صارت ديانات ممسوخة ليس لها عند الله قبول، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٣) آل عمران / ٨٥.

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مدركا طرق غواية الشيطان وإضلاله؛ فركز - صلى الله عليه وسلم - لحماية هذا الدين على أمرين:

أحدهما: التحذير من الغلو والإفراط في الدين ومجاوزة الحد في المدح والثناء إذا كان ذلك لغير الله، ففي الصحيحين عن عمر بن


(١) سورة التوبة الآية ١٢٨
(٢) سورة الإسراء الآية ٨١
(٣) سورة آل عمران الآية ٨٥