للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأموال فاستسق لنا ربك، فإنا نستشفع بالله عليك وبك على الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: سبحان الله، سبحان الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك أتدري ما الله؟ إن شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع بالله على أحد (١)».

ولأبي داود بسند جيد عن عبد الله بن الشخير - رضي الله عنه - قال: «انطلقت مع وفد بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: أنت سيدنا. فقال: السيد الله تبارك وتعالى. فقلنا: وأفضلنا فضلا، وأعظمنا طولا. فقال: قولوا بقولكم، أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان (٢)».

فهذه الأحاديث وغيرها من عشرات الأحاديث ومئات أمثالها كلها تؤكد حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سلامة أمته من وساوس الشيطان وخواطره وإيحاءاته وهمزاته، وتحذر هذه الأمة أن يدخل الشيطان عليها من مداخله على من سبقها من الأمم، من يهودية ونصرانية وغيرهما، فإن أكبر باب للشيطان للضلالة والإضلال هو باب الغلو والابتداع، فلقد نهى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه أن يتجاوزوا الحد في إطرائه ومدحه وتعظيمه، وحمى جناب التوحيد من أن تدنس مقتضياته أو تطمس معالمه، وأوضح في أكثر من مقام أن ضلال من قبلنا من اليهود والنصارى وغيرهم كان بسبب غلوهم في أنبيائهم وصالحيهم حيث كانوا يتخذون المساجد على قبورهم، فيعظمونها على سبيل العبادة، وكانوا بذلك شرار الخلق عند الله، وكانوا بذلك أبعد الخلق عن الله، وكانوا بذلك أولياء الشيطان وحزبه.

{أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (٣) المجادلة / ١٩.

ومع هذا الحرص الشديد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناقل علماء السنة الآثار الواردة في ذلك عنه - صلى الله عليه وسلم - وإشاعتها بين عباد الله؛ إلا أن الشيطان


(١) سنن أبو داود السنة (٤٧٢٦).
(٢) سنن أبو داود الأدب (٤٨٠٦)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٥).
(٣) سورة المجادلة الآية ١٩